الاثبات بالقرائن في القانون الإداري والشريعة الاسلامية
بحث لنيل درجة الدكتوراة
........
" المادة صالحة للنشر "
الكاتب:- محمد علي محمد عطا الله
المصدر:- زبير
وافق على نشره المراجع الشرعي
فارس العزاوي
بسم الله الرحمن الرحيم
جامعة اسيوط
كلية الحقوق
إدارة الدراسات العليا والبحوث
قسم القانون العام
....
رسالة مقدمة من الباحث
محمد على محمد عطا الله
للحصول على درجة الدكتوراه
إشراف
الأستاذ الدكتور / السيد خليل هيكل
أستاذ القانون العام بالكلية
الأستاذ الدكتور / جابر على مهران
أستاذ الشريعة الإسلامية وعميد الكية
شكر وتقدير
فأنى أتوجه أولا بحمد الله ، والشكر له الذى من على بنعم لا تقدر ولا تحصى ، ووفقنى أولا لإختيار هذا البحث ، ووفقنى أخرا لإتمامه والذى أرجو أن يكون عنده مرضيا .
ثم أتوجه بالشكر والتقدير لأستاذى الجليلين والعالمين الكرمين
الأستاذ الدكتور / السيد خليل هيكل أستاذ القانون العام بالكلية
الأستاذ الدكتور / جابر على مهران أستاذ الشريعة الإسلامية وعميد الكلية
فإنى إذ أتوجه بالتقدير لهما والثناء عليهما والدعاء لهما وذلك من باب قول النبى r [ من لم يشكر الناس لم يشكر الله ] () فلقد كان لهما الأثر الطيب فى أن يكون هذا البحث على ما هو عليه بفضل ما خصهما الله به من بعد للنظر ، وحصافة فى الرأى ، وغزارة فى العلم ، وفقه فى الدين .
فلقد أفدت من توجيهاتهما السديدة ، ونصائحهما الرشيدة ، وملحوظاتهما الدقيقة رغم كثرة أعمالهما ، وتشعب مسئولياتهما ، فما بخل على أحدهما بجهد أو وقت .
وأنى إذ أتوجه لأستاذى الجليلين بالثناء والتقدير والعرفان لهما لأعلم أنه جهد المقل .
وأنى وإن أعطيت فى القول بسطة
وطاوعنى هذا الكلام لمسطر
لأعلم أنى فى الثناء مقصـــــــــــر
وأنكما عندى أجل وأكــــبر
والله أسأل أن يبارك لهما فى صحتهما ، وأن يرزقهما العمر المديد حتى يعطيا المزيد ، وأن ينفع بهما طلاب العلم والدين ، إنه خير مأمول وأكرم مسئول .
الإهداء
إلى أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
إلى فقهائنا المسلمين الذين استنبطوا لنا الأحكام الشرعية بصورة تثبت سمو الشريعة الإسلامية وعالميتها .
إلى كل من يعمل على تطبيق شرع الله سواء فى مجال القضاء أو غيره .
إلى والدى الكريمين الذين ربيانى صغيرا ، وحفانى بعطفهما وحنانهما ، وغرسا فى قلبى محبة الإيمان وفى عقلى محبة العلم ، رزقهما الله الصحة والعافية .
إلى زوجتى المخلصة التى وقعت بجانبى وشدت من أذرى وعملت جاهدة على أن توفر لى الاستقرار والهدوء حتى أنجز هذا العمل .
إلى ابنتى الغالية " إسراء " التى رزقنى الله بها فكان ميلادها فاتحة خير لى وشمعة أنارت لى الطريق .
إلى أخوتى الذين وقفوا بجانبى وساعدونى بكل إمكانياتهم
إلى أخى وصديقى الأستاذ / عثمان محمد حموده الذى لم يدخر جهدا فى الوقوف بجانبى ودفعنى إلى مواصلة البحث
إلى أساتذتى بكلية الحقوق جامعة أسيوط وكلية الشريعة والقانون بأسيوط الذين أسدوا النصح وقدموا لى يد العون
إلى الأخوة الزملاء بكلية الشريعة والقانون الذين لم يدخروا وسعا فى مساعدتى والوقوف بجانبى .
إليهم جميعا أهدى هذا البحث
والله أسأل أن يكون عملا مقبولا أنه نعم المولى ونعم النصير
الباحث
محمد على محمد عطا الله
المقدمة :
الحمد لله الحكيم فى قضائه ، العادل فى جزائه ، القائل فى محكم كتابه ] إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتائ ذى القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون [ ()
والصلاة والسلام على سيدنا محمد r خير من حكم فعدل ، وقضى فأقسط ، وعلى آله وأصحابه الذين أهتدوا بهداه وساروا على منهاجه إلى يوم الدين
أما بعد
فإن الإثبات ووسائله من الموضوعات التى تحتل أهمية فى مجال البحث ولا حاجة إلى التدليل على هذه الأهمية فى حياة البشر ، إذ يكفى أن نشير إلى أنها هى الوسائل التى تمكن القضاء – الذى هو أهم سلطة فى الدولة وأسماها – من القيام بمهمته التى هى تحقيق العدالة وصيانة المجتمع عن طريق إيصال الحقوق إلى أربابها وإيقاع العقوبات على مستحقيها ، لأنه لا يتهيأ للقاضى أن يتوصل إلى الحقيقة من بين ما يقدم إليه من ادعاءات ، ولا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل من بين ما يعرض عليه من قضايا ، إلا بواسطة هذه الحجج والبراهين ، التى يعضد بها كل واحد من المتقاضين دعواه ، ولا شك أن من بين هذه الوسائل ، بل ويعتبر أهمها – نظرا لما يثيره تطبيقها والاعتماد عليها أمام القضاء من مشاكل – وسيلة الإثبات بالقرائن ، خصوصا وأنه لا يوجد تقنين لقواعد الإثبات فى القانون الإدارى على غرار ما هو موجود فى أفرع القانون الأخرى ، الأمر الذى يضفى على دراسة القرائن أهمية بالغة لا تقل بحال من الأحوال عن غيرها من موضوعات القانون الإدارى ، وذلك نظرا لعدم وجود دراسات متخصصة أفردت القرائن بالبحث ، وإن كان البعض – كما سيأتى – قد تناولها فى المجال الإدارى لكن ليس بصورة كاملة تفى بكافة جوانبها وإنما تحدث عنها باعتبارها وسيلة من وسائل الإثبات بجانب غيرها من الوسائل الأخرى .
كما أن دراسة وسائل الإثبات فى الفقه الإسلامى لا تقل بحال من الأحوال عن دراستها فى القانون الإدارى الأمر الذى جعلنى أقوم بالبحث فى قواعد الفقه الإسلامى بهدف الوصول إلى ما يقابل هذه المسميات فى نطاق القانون الإدارى ، مع محاولة تأصيل ذلك فى الفقه الإسلامى ، وكشف النقاب عن مكنون تلك القواعد ، مع محاولة رد المسميات القانونية إلى اصلها فى الفقه الإسلامى وإبراز دور الفقه الإسلامى فى هذا الشأن .
وعليه فإنى قمت ببحث الإثبات بالقرائن فى القانون الإدارى مع مقارنة ذلك بقواعد الفقه الإسلامى وجعلته موضوعا لرسالتى التى تقدمت بها إلى كلية الحقوق جامعة أسيوط لنيل درجة الدكتوراة .
السبب الذى دعانى إلى اختيار الموضوع :
يرجع السبب فى اختيارى لموضوع الإثبات بالقرائن فى القانون الإدارى والشريعة الإسلامى إلى الأمور الآتية :
أولا : أنه لم تفرد لموضوع القرائن دراسة مستقلة فى نطاق القانون الإدارى رغم كونها تحتل مكانة هامة فى الإثبات أمام القضاء لا تقل أهمية عن بقية طرق الإثبات الأخرى .
ثانيا : أن القضاء الإدارى يعتبر فى مجمله قضاء قرائن حيث يعتمد القاضى فى إثبات الدعوى المنظورة أمامه على سوابق قضائية بجانب استنباطه للدليل من أقوال الخصوم ، وادعائهم ، الأمر الذى يستوجب التعرض لها وبحث أحكامها بصورة تفى بالغرض من إقراراها أمام القضاء .
ثالثا : المساهمة ولو بلبنة فى بناء نظرية الإثبات فى القانون الإدارى بما يتفق وظروف ذلك القانون ، والذى نأمل أن يصدره المشرع فى الوقت القريب حسما لما قد يثور من خلاف أمام القضاء الإدارى .
رابعا : محاولة إظهار دور الفقه الإسلامى ، وأنه سبق سائر القوانين فى وضعه قواعد تحكم كل حالة على حده ، وإن كان ينقصها الجمع والتقنين .
منهج البحث :
لقد سلكت فى بحث هذا الموضوع ودراسته المنهج الآتى :
أولا : تقديم الشق القانونى فى الحديث عن الشق الشرعى ، وذلك بهدف تقويم الجانب القانونى ، ومقارنته بالفقه الإسلامى لإظهار مدى ذاتية الفقه الإسلامى ، وسمو قواعده على غيره من القوانين .
ثانيا : إما فيما يخص الجانب الشرعى من البحث فقد قمت باستيقاء الفروع والمسائل من منابعها الأصيلة فى تراثنا الزاخر ، ولم أورد المراجع الحديثة إلا للاستئناس بها ، أو نقل استدلال منها ندر وجوده فى كتب التراث – تبعا للتغير المستمر فى الحياة – أو ذكره حجة مرجحة لقول .
ثالثا : محاولة تأصيل ما أتناوله من نقاط فى الفقه الإسلامى ، ورد كل ما قرره فقهاء القانون من مسميات إلى أصله فى الفقه الإسلامى.
رابعا : قمت بتذييل كل جزئية من جزئيات البحث بأحكام القضاء وخاصة أحكم المحكمة الإدارية العليا ، وعليه فقد التزمت فى دراسة موضوع القرائن الجانب الفقهى والجانب القضائى أو من الناحية النظرية والتطبيقية .
خامسا : لم أكتف بما سبق بل قمت بدراسة المسألة فى الفقه الإسلامى دراسة وافية مع ذكر الأقوال ، والأدلة ، والمناقشة ، والترجيح ، حسبما تيسر ذلك من الاستشهاد بنصوص الفقهاء .
سادسا : قمت بترجمة الأعلام الواردة بالرسالة ، والتعريف بالمصطلحات الغامضة التى تأتى بين ثنايا البحث ، وتخريج الأحاديث ، والآثار ، والحكم عليها .
سابعا : ذيلت هذا البحث بخاتمة تناولت فيها أهم النتائج التى توصلت إليها والتوصيات من خلال هذا البحث .
ثامنا : عمل ثبت لكافة المراجع التى استعنت بها فى بحثى سواء منها الشرعية أو القانونية ، العربية أو الأجنبية ، مرتبا ذلك على حروف المعجم فى كل فن بخصوصه .
خطة البحث
قسمت بحثى هذا إلى مقدمة وباب تمهيدى وثلاث أبواب رئيسية وخاتمة .
أما المقدمة قد تناولت فيها بعد الحمد والثناء على المولى عز وجل السبب الذى دعانى إلى اختيار هذا الموضوع ومنهجى فيه .
أما الباب التمهيدى : فقسمته إلى ثلاثة فصول :
الفصل الأول : ماهية الإثبات وأهميته فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : ماهية الإثبات وأهميته فى القانون الإدارى .
المطلب الأول : ماهية الإثبات .
المطلب الثانى : أهمية الإثبات .
المبحث الثانى : ماهية الإثبات وأهميته فى الفقه الإسلامى .
المطلب الأول : ماهية الإثبات .
المطلب الثانى : أهمية الإثبات .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
الفصل الثانى : عبء الإثبات فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : عبء الإثبات فى القانون الإدارى .
المبحث الثانى : عبء الإثبات فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
الفصل الثالث : نظم الإثبات ووسائله فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : نظم الإثبات ووسائله فى القانون الإدارى .
المطلب الأول : نظم الإثبات .
المطلب الثانى : وسائل الإثبات .
المبحث الثانى : نظم الإثبات ووسائله فى الفقه الإسلامى .
المطلب الأول : نظم الإثبات .
المطلب الثانى : وسائل الإثبات .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
أما الباب الأول فقد جعلته بعنوان :
ماهية القرينة وحجيتها وأقسامها فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
وقسمته إلى ثلاثة فصول :
الفصل الأول : ماهية القرينة فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : ماهية القرينة فى القانون الإدارى .
المطلب الأول : تعريف القرينة .
المطلب الثانى : شروط العمل بالقرينة .
المطلب الثالث : تمييز القرينة عما يلتبس بها .
الفرع الأول : تمييز القرينة القانونية عن القاعدة الموضوعية .
الفرع الثانى : تمييز القرينة القانونية عن الحيلة .
الفرع الثالث : تمييز القرينة القضائية عن الدلائل .
المبحث الثانى : ماهية القرينة فى الفقه الإسلامى .
المطلب الأول : تعريف القرينة .
المطلب الثانى : شروط العمل بالقرينة .
المطلب الثالث : تمييز القرينة عما يلتبس بها .
الفرع الأول : التمييز بين القرينة والفراسة .
الفرع الثانى : التمييز بين القرينة والقيافة .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
الفصل الثانى : أقسام القرينة فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : أقسام القرينة فى القانون الإدارى .
المبحث الثانى : أقسام القرينة فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
الفصل الثالث : حجية القرينة فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : حجية القرينة فى القانون الإدارى .
المبحث الثانى : حجية القرينة فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
أما الباب الثانى فقد جعلته بعنوان :
القرائن القانونية فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى
وقسمته إلى ستة فصول :
الفصل الأول : قرينة القرار الإدارى الضمنى فى القانون الإدارى
والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : قرينة القرار الإدارى الضمنى فى القانون الإدارى .
المبحث الثانى : قرينة القرار الإدارى الضمنى فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
الفصل الثانى : قرينة النشر والإعلان كوسيلة للعلم بالقرار فى القانون الإدارى
والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : قرينة النشر والإعلان كوسيلة للعلم بالقرار فى القانون الإدارى .
المبحث الثانى : قرينة النشر والإعلان كوسيلة للعلم بالقرارفى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
الفصل الثالث : قرينة الاستقالة الضمنية فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : قرينة الاستقالة الضمنية فى القانون الإدارى .
المبحث الثانى : قرينة الاستقالة الضمنية فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
الفصل الرابع : قرينة أحقية الإدارة لمبالغ معينة قبل الموظف فى
القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : قرينة أحقية الإدارة لمبالغ معينة قبل الموظف فى القانون الإدارى
المبحث الثانى : قرينة أحقية الإدارة لمبالغ معينة قبل الموظف فى الفقه الإسلامى
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
الفصل الخامس : قرينة حجية الأمر المقضى به فى القانون الإدارى
والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : قرينة حجية الأمر المقضى به فى القانون الإدارى .
المبحث الثانى : قرينة حجية الأمر المقضى به فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
الفصل السادس : قرائن المسئولية فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : قرينة مسئولية متولى الرقابة فى القانون الإدارى
والفقه الإسلامى .
المطلب الأول : قرينة مسئولية متولى الرقابة فى القانون الإدارى .
المطلب الثانى : قرينة مسئولية متولى الرقابة فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الثانى : قرينة مسئولية المتبوع ( الإدارة ) عن أعمال التابع (الموظف) فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المطلب الأول : قرينة مسئولية المتبوع ( الإدارة ) عن أعمال التابع (الموظف ) فى القانون الإدارى .
المطلب الثانى : قرينة مسئولية المتبوع ( الإدارى) عن أعمال التابع (الموظف) فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الثالث : قرينة المسئولية عن فعل الحيوان فى القانون الإدارى
والفقه الإسلامى .
المطلب الأول : قرينة المسئولية عن فعل الحيوان فى القانون الإدارى .
المطلب الثانى : قرينة المسئولية عن فعل الحيوان فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الرابع : قرينة المسئولية عن البناء فى القانون الإدارى
والفقه الإسلامى .
المطلب الأول : قرينة المسئولية عن البناء فى القانون الإدارى .
الطلب الثانى : قرينة المسئولية عن البناء فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الخامس : قرينة المسئولية عن فعل الشئ فى القانون الإدارى
والفقه الإسلامى .
المطلب الأول : قرينة المسئولية عن فعل الشئ فى القانون الإدارى
المطلب الثانى : قرينة المسئولية عن فعل الشئ فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
أما الباب الثالث فقد جعلته بعنوان :
القرائن القضائية فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى
وقسمته إلى فصلين :
الفصل الأول : قرينة الانحراف فى استعمال السلطة فى القانون الإدارى
والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : قرينة الانحراف فى استعمال السلطة فى القانون الإدارى .
المبحث الثانى : قرينة الانحراف فى استعمال السلطة فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
الفصل الثانى : قرينة العلم اليقينى بالقرار فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الأول : قرينة العلم اليقينى بالقرار فى القانون الإدارى .
المبحث الثانى : قرينة العلم اليقينى بالقرار فى الفقه الإسلامى .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
الباب التمهيدى
جرت العادة بين الباحثين على أن الحديث في موضوع من الموضوعات لابد وأن يسبقه تمهيد يتناول بالحديث الخطوط العريضة للبحث بصورة تمكن القارئ من استيعاب الموضوع الذي يكتب البحث بخصوصه .
انطلاقا من هذا المبدأ فأن الحديث عن الإثبات بالقرائن في القانون الإدارى والفقه الإسلامي لابد وأن يسبقه تمهيد يتناول بالبحث والدراسة موضوع الإثبات باعتباره الأصل الذي ينبثق منه الدليل ، وأنه ما تم الحديث عن الدليل إلا من أجله .
ولهذا فأن الحديث عن الإثبات في القانون الإدارى والفقه الإسلامي يتناول بيان ماهية الإثبات وأهميته بالنسبة لإثبات الحق الذي يدور في فلكه .
والحديث عن عبء الإثبات وما يعنيه من تحديد من يقع على عاتقه عبء إقامة الدليل مع الإشارة إلى موقف القضاء الإدارى في هذا الشأن باعتباره الموضوع الرئيسي الذي يدور البحث في إطاره ، ثم أتناول بالدراسة والبحث نظم الإثبات المختلفة بالقدر الذي يوصلنا إلى النظام المختار للتطبيق في القانون الإداري مع عرض وجيز لوسائل الإثبات حسبما نص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية باعتباره الشريعة العامة ، مع ملاحظة أن الحديث عن هذه الوسائل يكون في الصورة أو في السياق الإدارى .
مع بيان موقف الفقه الإسلامي من كل هذه الأمور ، وعقد مقارنة بينه وبين القانون الإدارى بهدف إظهار ميزة الشريعة على سائر القوانين الوضعية .
وعليه فأن الحديث عن هذه النقاط يكون في الفصول الآتية :
الفصل الأول : ماهية الإثبات وأهميته في القانون الإداري والفقه الإسلامى .
الفصل الثاني : عبء الإثبات في القانون الإدارى والفقه الإسلامي .
الفصل الثالث : نظم الإثبات ووسائله في القانون الإدارى والفقه الإسلامي.
الفصل الأول
ماهية الإثبات وأهميته في القانون الإداري والفقه الإسلامى
الإثبات من الموضوعات الرئيسية التي تناولها العديد من الباحثين سواء في النطاق المدني أو الجنائي أو الإدارى بالبحث والدراسة .
لكن هل الإثبات في حقيقته لا يختلف في جميع هذه القوانين أم أن معناه في القانون المدني يختلف عن معناه القانون الجنائي ،، وبالتبعية يختلف عن معناه في القانون الإدارى ؟
لا شك أن الإجابة على هذا السؤال سوف تكون بالنفي أى أن معنى الإثبات لا يختلف من قانون إلى أخر بل أن معناه في كافة فروع القانون متحد وأن اختلفت الصياغة حيث تصاغ نظرية الإثبات في كل فرع من القانون بما يتفق وظروف ذلك الفرع وطبيعة الدعوى القضائية التي يحكمها . وهو ما سوف يتضح من خلال المباحث الآتية
المبحث الأول : ماهية الإثبات وأهميته في القانون الإداري .
المبحث الثاني : ماهية الإثبات وأهميته في الفقه الإسلامي .
موازنة بين القانون الإداري الفقه الإسلامي
المبحث الأول
ماهية الإثبات وأهميته في القانون الإداري .
نعرض لبيان ماهية الإثبات وأهمية في القانون الإداري في مطلبين :
المطلب الأول : ماهية الإثبات .
المطلب الثاني : أهمية الإثبات .
المطلب الأول
ماهية الإثبات
الإثبات هو : إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التى حددها القانون على وجود واقعة قانونية ترتب آثارها ()
وعرف فى الفقه الفرنسي بأنه : إقامة الدليل أمام القضاء على حقيقة واقعة معينة يؤكدها أحد الأطراف في خصومه وينكرها الطرف الأخر ()
والإثبات من الموضوعات التى تناولها فقهاء القانون بالبحث والتحرى سواء في المجال المدنى أو الجنائى أو الإدارى نظراً لأهميته ومكانته في القانون ، ولذلك كثرت التعاريف التى ذكرها الفقهاء للإثبات () كل منهم عرفه على الوجه الذي يراه متفقاً مع مجال بحثه .
ولكن إذا نظرنا إلى مجمل هذه التعاريف نجد أنها تشترك في عدة أمور حرص الجميع على ذكرها وهي :
الإثبات يعني إقامة الدليل .
الإثبات لابد وأن يتم من خلال الطرق التى حددها القانون .
الإثبات لكى يؤتى ثماره لابد وأن ينصب على واقعة قانونية تترتب عليها أثار .
أما كيفية التعبير عن هذه الأمور الثلاثة فقد اختلف من تعريف لأخر تبعاً لاختلاف الألفاظ ، ومن ثم فأن هذه التعاريف وأن اختلف في ألفاظها إلا أن مضمونها واحد ، والعبرة كما تقول المحكمة الإدارية العليا بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني () وفقا لما قرره فقهاء الشريعة الإسلامية .
والتعريف السابق للإثبات يشمل أركان الإثبات التي يدور حولها كنهة في عبارة مختصرة ، يتضح ذلك من شرح التعريف وإخراج القيود التى يشتمل عليها .
قوله " إقامة " جنس في التعريف يشمل كل إقامة سواء كانت للدليل أو لغيره ، ومعناها التقديم .
قوله " إقامة الدليل " قيد أخرج به إقامة غير الدليل ، والمراد من إقامة الدليل تقديمه للإثبات وليس إنشاؤه . ()
قوله " أمام القضاء " قيد أخرج به الإثبات غير القضائى كالإثبات التاريخي أو العلمى ()، وأفاد أن المقصود هنا ليس الإثبات بمعناه العام الذي يرد خالياً من أى قيد ولا يكون أمام القضاء … وإنما المقصود الإثبات القضائى .
قوله " بالطرق التى حددها القانون " إشارة إلى الوسائل التى يتم بها إثبات الحق أمام القضاء ، كما تشمل من يقع على عاتقه عبء الإثبات .
قوله " على وجود واقعة قانونية " قد أشار به إلى المحل الذى ينصب عليه الإثبات ، وهو الواقعة القانونية المنشئة للحق ، والواقعة المقصودة هنا هى الواقعة بالمعنى العام التى تنصرف إلى كل واقعة مادية أو كل تصرف قانونى يرتب القانون عليه أثرا معينا ، وذلك كالعمل غير المشروع والعقد ، فالعمل غير المشروع واقعة مادية ، والعقد تصرف قانونى . ()
قوله " ترتب أثارها " قيد أشار به إلى الفائدة المرجوة من وراء الإثبات ، وهى إثبات الواقعة التى يترتب عليها فائدة أما إذا كانت الواقعة لا تترتب عليها فائدة فإنه لا محل لإثباتها لأن إثباتها يترتب عليه إضاعة وقت القضاء بلا فائدة ترجى من وراء ذلك ، وهو أمر يتنافى مع الهدف من وجود القضاء .
المطلب الثانى
أهمية الإثبات
إن الحق هو مناط اهتمام جميع الشرائع والقوانين فى كافة العصور ، والمحافظة عليه وحمايته من الاعتداء هى الهدف المشترك بين هذا الشرائع والقوانين ، وعليه فإذا اعتدى على هذا الحق كان للمعتدى عليه اللجوء إلى القضاء لكى يطالب بحقه ، وهذا على خلاف الشرائع والقوانين فى العصور القديمة ، حيث أعطت للشخص الحق فى الحصول على حقه بيده إذا ما اعتدى عليه .
ولكن هذا المبدأ لا يصلح فى عصرنا الذى تقدمت فيه الحضارة وازدهر فيه العلم ، وأصبح القانون هو وسيلة احترام الحقوق والمحافظة عليها ، ومن ثم كان للمعتدى على حقه اللجوء إلى القضاء ، والقاضى بشر والبشر يخطئ ويصيب وبالتالى فلابد من إقناعه بالحق المدعى به حتى يستطيع أن يصدر حكمه ، ووسيلة إقناعه هى إثبات هذا الحق ، لأنه كما يقولون " إن الحق مجردا من الإثبات يصبح هو والعدم سواء " ()
وفى نفس المعنى تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى للتقنين المدنى الحالى " إن الحق يتجرد من قيمته ما لم يقم الدليل على الحادث المبدئ له قانونيا كان هذا الحادث أو ماديا ، والواقع أن الدليل هو قوام حياة الحق ومعقد النفع فيه " ()
ويقول “ Planiol “ : " إن الإثبات يبعث الحياة فى الحق ، ويجعله مفيدا ، وهذا ما يكشف عن الأهمية العلمية للمسائل المتعلقة بالإثبات لمن يريد الحصول على الاعتراف بحق معين . ()
لذلك كانت نظرية الإثبات من أهم النظريات فى القانون التى تلقى تطبيقا يوميا من المحاكم سواء كانت نظرية الإثبات فى القانون المدنى ، أو فى القانون الجنائى ، أو فى القانون الإدارى .
ومن المعلوم أن الإثبات فى القانون الإدارى يختلف عن غيره من القوانين نظرا لطبيعة الدعوى الإدارية التى تقوم بين طرفين غير متساويين .
أحدهما : الإدارة التى تتمتع بامتيازات تجعلها فى مركز أقوى من الفرد ،
وثانيهما : الفرد الضعيف الذى يتعامل مع الإدارة ويدخل فى علاقات معها ()
ونظرا لهذه الطبيعة المختلفة عن بقية الدعاوى ، ولعدم وجود قانون إجرائى إدارى على غرار قانون الإثبات المدنى أو قانون الإجراءات الجناية ، فإن الإثبات فى القانون الإدارى يعتمد على نصوص ووقائع متناثرة وعلى أحكام المحاكم ، وعلى التطبيقات العملية .
الأمر الذى ترتب عليه صعوبة الإثبات فى المجال الإدارى أكثر من غيره ، وإن كان المشرع قد أزال تلك الصعوبة ، أو بتعبير أخر خفف منها إذ أحال فى المادة الثالثة من القانون رقم 47 لسنة 1972 – الخاص بمجلس الدولة – إلى قانون الإثبات فيما لم يرد فيه نص وبما لا يتعارض مع طبيعة الدعوى الإدارية . ()
ومن ثم حظيت نظرية الإثبات فى القانون الإدارى باهتمام كثير من الباحثين والدارسين لعل المشرع أن يصدر فى الوقت القريب – تلبية لرغبة الباحثين والقضاة على حد سواء – قانون إجرائى إدارى على غرار قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 . () وقانون الإجراءات الجنائية .
المبحث الثانى
ماهية الإثبات وأهميته فى الفقه الإسلامى
والحديث عن ماهية الإثبات وأهميته فى الفقه الإسلامى يكون من خلال المطالب الآتية:
المطلب الأول : ماهية الإثبات .
المطلب الثانى : أهمية الإثبات .
المطلب الأول
ماهية الإثبات
الإثبات له معنى فى اللغة ومعنى فى الاصطلاح :
الإثبات فى اللغة :
مأخوذ من ثبت الشئ يثبت ثباتا وثبوتا أى دام واستقر فهو ثابت ، تقول ثبت الشئ من باب دخل وثبت بالمكان أقام وثبت الأمر صح وتحقق ، وأصبته السقم إذ لم يفارقه ، وتثبت فى الأمر والرأى واثتثبت تأنى فيه ولم يعجل ، قال تعالى : ] وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك [ ()
وتثبيت الفؤاد معناه تسكين القلب ، تقول أثبت الكاتب الاسم أى كتبه عنده ، وتقول لا أحكم بكذا إلا بثبت أى بحجة ، وأثبت حجته أقامها وأوضحها . ()
وفى هذا دلالة على أن الإثبات فى اللغة معناه : الشئ المستقر أو الصحيح . ()
الإثبات فى الاصطلاح :
استعمل الفقهاء الإثبات بمعنيين ، معنى عام ، معنى خاص ، فوفقا للمعنى العام يراد به : إقامة الدليل على حق أو على واقعة من الوقائع . ()
وقيل هو : الحكم بثبوت شئ لأخر . ()
ووفقا للمعنى الخاص يراد به : إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التى حددتها الشريعة على حق أو على واقعة معينة تترتب عليها أثار . ()
هذا ولما كان الحديث عن الإثبات فى مجال القضاء كان التعريف الثانى " الإثبات بمعناه الخاص " هو المراد هنا ، لأن فيه قصرا للإثبات على المعنى القضائى دون غيره بخلاف الإثبات بالمعنى العام فهو شامل لكل إثبات سواء كان قضائيا أو غيره .
محترزات التعريف :
يتضمن تعريف الإثبات بمعناه الخاص المحترزات الآتية :
قوله " إقامة " جنس فى التعريف يشمل إقامة الدليل وغيره .
قوله " إقامة الدليل " فيه إخراج لغير الدليل من التعريف وإن كان عاما فى كل إثبات ، حيث إن كل إثبات مداره على إقامة الدليل ، ومعنى الإقامة للدليل تقديمه للإثبات .
قوله " أمام القضاء " قيد أخرج به الإثبات غير القضائى وذلك كالإثبات التاريخى أو العلمى . ()
قوله " بالطرق التى حددتها الشريعة " فيه إشارة إلى الطرق التى يتم بها الإثبات ، وأن الإثبات لكى يؤتى ثماره لابد وأن يتم فى إطار هذه الطرق التى حددتها الشريعة ومن خلالها .
قوله " على حق أو على واقعة " إشارة إلى المحل الذى ينصب عليه الإثبات وهو الحق () أو الواقعة . ()
وذلك لأن الشريعة تفترض فيمن يولى القضاء العلم بالأحكام الشرعية ، ومن ثم ينحصر الإثبات فى الواقعة التى رتب عليها الشارع حكما معينا .
قوله " تترتب عليها أثار " فيه إشارة إلى الهدف والثمرة المبتغاة من وراء الإثبات ، وهى حكم القاضى للمدعى بالحق المدعى به .
أما إذا كانت الواقعة لا تترتب عليها أثارا شرعية فإنه لا فائدة من إثباتها سواء كانت واقعة عادية أو واقعة طبيعية ، ولذلك فهى لا تخلو عن كونها مجرد إخبار بواقع لا يترتب عليه أثر .
المطلب الثانى
أهمية الإثبات
حماية الحق من الاعتداء عليه من الأمور التى عنيت بها الشريعة الإسلامية عناية فائقة سواء كان حقا خالصا لله تعالى () ، أو كان حقا للعبد () ، ولذلك حرمت الشريعة الإسلامية الاعتداء على هذه الحقوق أيا كان نوع الاعتداء .
قال تعالى ] يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [ () وقال تعالى ]إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا [() وفى هذا الإطار – حماية الحق – وحرصا على عدم ضياعه بينت الشريعة الإسلامية الطريق الذى يلجأ إليه صاحب الحق عند الاعتداء على حقه وهو طريق القضاء ، واللجوء إلى القضاء حق أعطته أو منحته الشريعة الإسلامية لكل من يعتدى عليه أو على حقه ، ونظرا لكون القاضى بشرا والبشر يخطئ ويصيب كما قال النبى r [ إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فاقضى له على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما اقطع له قطعة من النار ] () شرع الإثبات طريقا لحماية الحق عند اللجوء إلى القضاء حتى يكون القضاء بين الناس منهيا للخصومات قاضيا على أسباب الخلاف والنزاع .
وإذا نظرنا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وجدناها تضمنا نصوصا كثيرة تبين الحقوق وطرق إثباتها من ذلك :
قال تعالى ] يا أيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ، ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا ، فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو ، فليملل وليه بالعدل ، واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ، ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ، ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها[ . ()
وجه الدلالة من الآية الكريمة :
أن المولى عز وجل أمر بكتابة الدين وذلك بهدف الحفظ وعدم التنازع فى أمره عند حلوله ، والأمر يفيد الوجوب إلا إذا وجدت قرينة صارفة من الوجوب إلى غيره . () ، وفى هذه الآية وجدت القرينة وهى قوله تعالى ] فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى أؤتمن أمانته[ () وعليه فيكون الأمر للندب والإرشاد وليس للوجوب . ()
وفى هذا دلالة واضحة على أن الشريعة الإسلامية شريعة مرنة وليست جامدة ، كما أنها صالحة لكل زمان ومكان وتساير أحدث النظريات الواردة فى الإثبات والتى نادى بها الفقهاء فى الوقت الحاضر .
كما تضمنت الآية شروط الكاتب الذى يتولى كتابة الدين والتى يأتى فى مقدمتها العدالة قال تعالى " وليكتب بينكم كاتب بالعدل " وترجع العلة فى اشتراط العدالة – والله أعلم بمراده – إلى حسم النزاع الذى يمكن أن ينشأ بين الناس بسبب الكتابة ، وإلى ضمان الحقوق من الضياع .
كما تضمنت الآية أيضا النص على أنه يحرم على الإنسان أن يدعى للشهادة فيمتنع عنها أو يشهد واقعة فيكتمها أو يذكرها على غير حقيقتها () ، قال تعالى ] ولا يأب الشهداء إذا ما وعوا … [() ، ] ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه أثم قلبه [ ()
ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى r قال [ لو يعطى الناس بدعواهم لأدعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه … ] ()
وجه الدلالة من الحديث :
أن النبى r بين فى هذا الحديث أن طريق الحصول على الحق أمام القضاء لا يكون بدعوى مجردة بل يحتاج إلى البينة أو تصديق المدعى عليه له ، فإن طلب المدعى يمين المدعى عليه فله ذلك وإلى هذا ذهب سلف الأمة وخلفها ، ولذلك قال العلماء : " إن الحكمة من كون البينة على المدعى أن جانب المدعى ضعيف لأنه يدعى خلاف الظاهر فكلف بالحجة القوية وهى البينة فيقوى بها جانب المدعى ، وجانب المدعى عليه قوى لأن الأصل فراغ ذمته فاكتفى منه اليمين " ()
يتضح مما سبق أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بينا طرق إثبات الحقوق ، وذلك بذكر القواعد العامة للإثبات وترك التفاصيل لاجتهاد الفقهاء ()
وذلك حتى تكون الشريعة صالحة لكل زمان ومكان ومسايرة لأحدث النظريات فى الإثبات ، مع ملاحظة أن الشريعة الإسلامية فرقت فى نطاق الإثبات بين المعاملات والجنايات ، فإذا كان المطلوب إثباته جناية . () قصرت الإثبات فى حقها على وسائل معينة نظرا لخطورة العقوبات المقررة لها ، فمثلا حد الزنا لا يثبت إلا بأربعة شهود أو بإقرار الزانى ()وحد السرقة لا يثبت إلا بشهادة شاهدين أو إقرار السارق () وكذلك حد الشرب .
أما إذا كان المطلوب إثباته معاملة () وسعت الشرعية الإسلامية من وسائل الإثبات ، ومن ثم فإن نظام الإثبات فى الشريعة الإسلامية نظام متكامل فى ذاته متميز عن غيره من النظم الأخرى وذلك حتى يكون محققا لأهداف التشريع الإسلامى والمتمثلة فى صيانة الحقوق وتيسير سبل الوصول إليها تحيقا للعدالة ورفعا للمشقة والنزاع .
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى
يتضح من دراسة ماهية الإثبات وأهميته فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى :
أولا : يتفق القانون الإدارى مع الفقه الإسلامى فى تحديد مفهوم الإثبات وأنه يعنى " إقامة الدليل أمام القضاء بطرق محددة على حق أو واقعة معينة تترتب عليها أثار " .
وبهذا يتضح أن مفهوم الإثبات فى القوانين الوضعية مستمد من الفقه الإسلامى ، وأن قواعد الفقه الإسلامى تعتبر هى الشريعة العامة بالنسبة لهذه القوانين .
ثانيا : أن أهمية الإثبات أمر مسلم به سواء كنا فى مجال الإثبات الوضعى – أى فى إطار القوانين الوضعية – أو فى مجال الإثبات الشرعى ، وإن كانت فى مجال الإثبات الوضعى أشد خطورة نظرا لخراب الذمم وانتشار الفوضى ، الأمر الذى يترتب عليه أن يكون من يقوم بالعمل فى هذا المجال على درجة كبيرة من الفطنة والذكاء بحيث يستطيع تمييز الصادق من الكاذب ، والمحق من المبطل .
الفصل الثانى
عبء الإثبات فى القانون الإدارى والفقه الإسلامى
يتضمن هذا الفصل الحديث عن عبء الإثبات أى تحديد من يقع على عاتقه إقامة الدليل المثبت للحق أمام القضاء ،أى يكون المدعى – الذى تقدم إلى القضاء مطالبا بحقه – هو الملزم بالإثبات ، أم المدعى عليه الذى يلجأ إلى القضاء باختياره ونفترض فيه البراءة طبقا للأصل العام الذى يقضى ببراءة الذمة من الحق المدعى به - ، أم القاضى – الذى يتولى نظر الدعوى فى ضوء ما قدم له من أدلة – هو الملزم بالإثبات .
وهل عبء الإثبات فى القانون يختلف عن الفقه الإسلامى أم أنه متحد ؟
لا شك أن الإجابة على هذه الأسئلة تتضح من خلال المباحث الآتية :
المبحث الأول : عبء الإثبات فى القانون الإدارى
المبحث الثانى : عبء الإثبات فى الفقه الإسلامى
موازنة بين القانون الإدارى والفقه الإسلامى .
المبحث الأول
عبء الإثبات فى القانون الإدارى
تنص المادة " 1315 " من القانون المدنى الفرنسى على أن " من يطلب تنفيذ التزام عليه إثباته ، وعلى من يدعى التخالص إثبات الوفاء أو الواقعة التى أدت إلى التخالص من الالتزام "
وتنص المادة الأولى من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 على أن : " على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه "
وتنص المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية على أن : " تختص النيابة العامة بمباشرة الدعوى الجنائية "
وتنص المادة ( 291 ) على أن للمحكمة أن تأمر ولو من تلقاء نقسها أثناء نظر الدعوى بتقديم أى دليل تراه لازما لظهور الحقيقة "
يتضح من النصوص السابقة أن عبء الإثبات أمام القضاء المدنى والجنائى يقع على عاتق المدعى ، وإن كان المدعى فى القانون المدنى يختلف عن المدعى فى القانون الجنائى ، حيث أن المدعى فى القانون المدنى هو الفرد الذى يدخل فى علاقة مدنية مع طرف أخر يطالبه بأن ينشئ معه عقدا ، فإذا تم التعاقدي بدأت مرحلة التنفيذ فإذا اختلف فى التنفيذ أو أخل أحدهما بشروط التعاقد فللطرف الأخر اللجوء إلى القضاء ، وله أن يتخذ الإجراءات القضائية أو البوليسية التى يثبت بها مواقف خصمه . ()
أما المدعى فى القانون الجنائى فهو النيابة العامة التى تمثل الإدعاء حيث يفترض أن المتهم برئ حتى يقوم الدليل على إدانته ، ويقع على عاتق النيابة العامة إقامة هذا الدليل ()
أما فى القانون الإدارى : فنجد أن قاعدة عبء الإثبات الموجودة فى القانون المدنى والقانون الجنائى لا تطبق بتمامها ، نظرا لاختلاف طبيعة الدعوى الإدارية عن الدعوى المدنية والجنائية () حيث إن الدعوى المدنية تقوم على أساس المساواة بين الطرفين ، والمساواة فى الغالب تؤدى إلى حرية الإثبات ، أما فى الدعوى الإدارية فتقوم على أساس التفاوت بين أطرافها ، لأنها تقوم بين طرفين أحدهما : الإدارة وهى طرف قوى وتتمثل قوتها فى كونها تتمتع بامتيازات قاهرة ، كما أن الأوراق والمستندات تحت يدها ، والثانى : الفرد ، وهو ضعيف يحتاج بصفة دائمة إلى الطرف الأول وإلى التعامل معه ويخشى إجراءاته الشديدة التى ينص فى العقود عادة على أن تتمكن منها الإدارة بما نسميه بالشروط غير المألوفة – هذا إذا كانت العلاقة بينهما تعاقدية – أما إذا كانت العلاقة بين الإدارة والفرد تقوم على أساس قرار إدارى فإن الإدارة تنفرد بإصدار القرار ، ولا يعلم الفرد حقيقة ما يتضمنه من وقائع وبيانات ، وفى ضوء الامتيازات التى تتمتع بها الإدارة فإنها تقف فى مركز المدعى عليه غالبا. () فى حين يقف الفرد الضعيف فى مركز المدعى ، الأمر الذى يترتب عليه نشوء ظاهرة عدم التوازن بين الطرفين فى الدعوى التى تستلزم إظهار الدور الإيجابى للقاضى الإدارى وسلطاته الإستيفائية فى إطار الفصل فى الدعوى وترجيح كفة أحد الطرفين على الأخر مع التزامه بالأصول القضائية وبالتالى فإن الدعوى الإدارية وإن اختلفت عن الدعوى المدنية والجنائية من حيث عدم التساوى بين أطرافها إلا أنها تتفق معهم فى أن الدعوى تقوم بين طرفين وإن الطرفين قد يختلفان فى العلاقة التى تربط بينهما ، وهذا الخلاف لكى يحسم لابد من اللجوء إلى القضاء ، والقاضى يفصل فى الدعوى فى ضوء ما يقدم له من أدلة ، وعليه فإن دور القاضى فى الدعوى الإدارية هو نفس دور القاضى فى الدعوى المدنية . فالقاضى لا يكلف بالإثبات فى الأصل وإنما يكلف الخصوم ، حيث أن صاحب الشأن ملزم بان يقنع القاضى بصحة دعواه وصاحب الشأن فى الدعوى الإدارية هو المدعى طبقا للمبدأ الذى يقضى " بأن الأصل براءة الذمة ومن يدعى خلاف الظاهر عليه الإثبات " والمدعى فى الدعوى الإدارية يدعى خلاف الظاهر لذلك يقع عليه عبء الإثبات ، ولما كان المدعى فى الدعوى الإدارية هو الفرد وجانبه ضعيف وكانت الملفات والسجلات موجودة تحت يد الإدارة وهما مما يعتمد عليه فى الإثبات بصفة رئيسية ، لذلك تدخل القضاء وألزم الإدارة تهدف تخفيف عبء الإثبات الواقع على عاتق الفرد بتقديم الأوراق والمستندات المتعلقة بموضوع النزاع ، والمنتجة فى إثباته إيجابا ونفيا متى طلب منها ذلك سواء من هيئة مفوض الدولة أو من المحاكم .