الصديق للمحاماة والإستشارات القانونية
مرحبا بكم في منتدانا المتواضع
ويشرفنا أن تقوموا بالدخول أو التسجيل للإفادة والاستفادة من مساهماتكم الذي نأمل ان ترفدوا بها المنتدى.

مع خالص تحياتي
المدير المؤسس:
المحامي/ مالك حسين الصديق.
اليــــــمن / محافظة إب.
جــــــــــــوال:(777464255)(714055861)
بريد إلكتروني: malsdik@yahoo.com
الصديق للمحاماة والإستشارات القانونية
مرحبا بكم في منتدانا المتواضع
ويشرفنا أن تقوموا بالدخول أو التسجيل للإفادة والاستفادة من مساهماتكم الذي نأمل ان ترفدوا بها المنتدى.

مع خالص تحياتي
المدير المؤسس:
المحامي/ مالك حسين الصديق.
اليــــــمن / محافظة إب.
جــــــــــــوال:(777464255)(714055861)
بريد إلكتروني: malsdik@yahoo.com
الصديق للمحاماة والإستشارات القانونية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الصديق للمحاماة والإستشارات القانونية

منتدى قانوني يمني يهتم بالأمور والمسائل الشرعية والقانونية في الساحة اليمنية خاصة والعربية عامة ويقدم خدمات شاملة في مجال الاستشارات القانونية والمحاماة والتحكيم وإبرام العقود بكافة انواعها. (مؤسس المنتدى ومديره: المحامي/مالك حسين يوسف الصديق) اليمن/إب
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» متجر البندري للدعاية والإعلان
مذاهب وآراء حول نشوء اللغات Icon_minitimeالأحد 10 نوفمبر 2024 - 17:14 من طرف حريتى

» سيرفر سكر توب لبيع المتابعين في جميع منصات التواصل الاجتماعي
مذاهب وآراء حول نشوء اللغات Icon_minitimeالسبت 9 نوفمبر 2024 - 0:44 من طرف حريتى

» المحامية رباب المعبي تتسلم شهادة تقدير من إدارة الملكية الفكرية بجامعة أم القرى
مذاهب وآراء حول نشوء اللغات Icon_minitimeالخميس 24 أكتوبر 2024 - 12:57 من طرف حريتى

» اشتراك شاهدVIP ملف (شهر)
مذاهب وآراء حول نشوء اللغات Icon_minitimeالثلاثاء 22 أكتوبر 2024 - 14:36 من طرف حريتى

» لدي معاملة في إحـدى المحاكم كيف أستطيع متابعتها؟
مذاهب وآراء حول نشوء اللغات Icon_minitimeالإثنين 21 أكتوبر 2024 - 12:16 من طرف حريتى

» اشتراكات كانفا برو مدى الحياة - خصم 50%
مذاهب وآراء حول نشوء اللغات Icon_minitimeالسبت 5 أكتوبر 2024 - 18:45 من طرف حريتى

» لائحة تنظيم اجراءات التأجير والانتفاع باموال وعقارات الاوقاف واستثمارها
مذاهب وآراء حول نشوء اللغات Icon_minitimeالثلاثاء 7 فبراير 2017 - 2:53 من طرف زائر

» فترة الاجهاض
مذاهب وآراء حول نشوء اللغات Icon_minitimeالأربعاء 11 يناير 2017 - 20:55 من طرف زائر

» تحميل برنامج موسوعة التشريعات والقوانين اليمنية
مذاهب وآراء حول نشوء اللغات Icon_minitimeالأربعاء 11 يناير 2017 - 17:31 من طرف Fahd

المواضيع الأكثر شعبية
لائحة تنظيم اجراءات التأجير والانتفاع باموال وعقارات الاوقاف واستثمارها
تحميل برنامج موسوعة التشريعات والقوانين اليمنية
السادة الأشراف في اليمن الأسفل (بعد التعديل والإضافة)
كتاب القواعد القضائية اليمنية ( العدد الاول )
قانون الاجراءات الجزائية اليمني
قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني رقم(40)لسنة2002م المعدل بالقرار رقم( 2)لسنة2010م
قانون الاثبات اليمني
لتحميل صيغ الدعاوى والعقود علي شكل اسطوانة ( سي دي )
أفضل طريقة لإعداد مذكرة قانونية *
موسوعه أحكام المحكمه الدستوريه العليا

 

 مذاهب وآراء حول نشوء اللغات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المديرالمؤسس
المدير
المدير
المديرالمؤسس


الجنس : ذكر الميزان عدد المساهمات : 207
نقاط : 5561
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 30/12/2010
العمر : 52
الموقع : اليمن - إب - تـ (777464255)(714055861)

مذاهب وآراء حول نشوء اللغات Empty
مُساهمةموضوع: مذاهب وآراء حول نشوء اللغات   مذاهب وآراء حول نشوء اللغات Icon_minitimeالأربعاء 14 سبتمبر 2011 - 3:08


مذاهب وآراء حول نشوء اللغات - صلاح الدين الزعبلاوي
ذهب العلماء قديماً وحديثاً إلى أن اللغة قد نشأت في الأصل بحكاية أصوات الطبيعة. وقد بدت الصلة جلية لا لبس فيها بين اللفظ ومعناه في كثير من الكلم مؤذنة بسرها مبينة عن وجهها. وهو مذهب معروف سائر يشهد له توافر ما استعير في اللغة من ألفاظ هذه الأصوات، في طراءة سنها وحداثة نشأتها. وأثبت علم اللغة الحديث تلقي اللغة من الأصوات المذكورة مذ كان الإنسان متصلاً بالطبيعة اتصالاً لا نفصام له، تنبثق أداته التعبيرية من أصدائها وتنبعث جذور لغته من أحداثها، معولا في كل ذلك على رهف حسه وحدّة سمعه:‏
يرعي الأذن فيتسقط الحركات ويذكي الخاطر فيترصد السكنات. وهو في هذا شاهد اللب يقظ الفؤاد كلوء العين، لا يغلبه نوم أو تأخذه غفلة، تحفظاً وحياطة. وقد اشتق العرب فعلاً أسماء للصوت حاكوا بها أصداء الطبيعة كالنعيق والخرير والصهيل والحسيس والأزيز والصرير والأنين والزئير والفحيح والطنين والهزيم والعواء والنباح والخوار والثغاء...‏
وفي الجملة إذا صح أن يعرض لمفردات اللغة، على ما تقتضيه سنة الارتقاء ما ينأى بمادتها وصورتها عن أصولها الأولى فتتبدل وتتغير وتؤخذ بالصقل والتهذيب بالمواضعة والاصطلاح فتسمو بلغة الإنسان عما يجوز بتسميته لغة الحيوان خلال مراحل متعاقبة متطاولة، فإن في كل لغة كلمان لا تزال، على تدرجها وارتقائها، تعكس بظلالها أصداء معانيها.‏
هذا وليست المحاكاة لأصوات الطبيعة في التعبير عند البشر محاكاة آلية. فقد دل العلم أن للإنسان من القدرة الفطرية ما يجعله يصوغ مقاطع لغته في مشاكله للمسموع، وفي إبداع من الذات. وذهب العالم (نوام تشومسكي) المولود عام 1929 أن الطفل لا تنمو مهارته اللغوية بمحض مواءمته لما يقع في سمعه حساً وجرساً، كما يتفق للببغاء في حكاية ما يقرع أذنها ويمر بسمعها، وإنما يعتمد في ذلك على كفايته اللغوية الفطرية. إذ يولد الإنسان ولديه من القدرة ما يتيح له أن يتلقى اللغة ويؤلف بناها مقاطع وكلمات وجملا وتعابير يلتزم فيها أصولاً وضوابط تدرها طاقته اللغوية المبدعة. وهكذا تتعدد في اللغة الواحدة الألفاظ الدالة على حكاية الصوت الواحدة، كما تختلف هذه الحكاية بين لغة وأخرى متقاربة حيناً متباعدة حيناً آخر. فقد حاكت العربية صوت القطع في الطبيعة مثلاً فجاء فيها (قد وقط وبتّ وحزّ وجزّ وجذّ وجدّ) كله بمعنى القطع. وقد يكون بعضها مخصوصاً بنوع من القطع، أو يكون قد آل إلى ما آل إليه بقلب أو إبدال. وحاكت الفرنسية هذا الصوت فجاء فيها (كوبى Couper) بالباء الفارسية، وحكت الإنكليزية ذلك فجأة فيها (كت Cut).‏
ودلت العربية على الهدم بـ (دك) ودلت الإنكليزية بما يشبه هذا اللفظ (Dig) على الحفر، بكاف فارسية ودال مكسورة. وقد جاء أحمد فارس الشدياق بمثل هذه الأمثلة في (سر الليال) وقال: (ومنهم من توهم تمزيق الثوب يحكي – هَت- فتوهمها الإنكليز لصوت اللطم أو الضرب فقالوا – هت Hit- ومنهم من توهم صوت القطع يحكي – ترّ وطرّ – فتوهمه أولئك- أي الإنكليز- لصوت القطع فقالوا- تير Tear – وتوهمه الفرنسيين لصوت الجذب). وأردف: (ومن مجانس هذا اللفظ التيار بتشديد الياء فتوهمته العرب للموج الذي ينضح. وتوهم الفرنسيين لفظ – تُرّان Torrent للسيل بتشديد الراء، وفي الإنكليزية: ترنت Torrent).‏
هذا وقد يعبّر عن حكاية الصوت في العربية بمقطع أو أكثر ثم يعتري اللفظ كما أشرنا إليه تغيير وتبديل. قال أحمد فارس الشدياق (فإنه قد ورد مثلا بطّ بمعنى شق، وورد بَعط بمعنى ذبح، وورد أيضاً عطِ بمعنى شقّ، وعبط بمعنى بَعط، فيحتمل أن يكون بعط مقلوباً من عبط أو بالعكس . أو أن الباء مزيدة على عطّ أو العين على بطّ)، وقال (وأكثر ما يكون القلب والإبدال في الألفاظ الدالة على القطع والكسر والخرق والهدم والشق والفرق والتبديد. كما أنها كلها من جنس واحد. وجلها مأخوذ من حكاية صوت، نحو: قتّ وقدّ وقضّ وقطّ وجدّ وجثّ وجذّ وجزّ وأذّ وهذّ وقصّ وحذّ وحزّ وحسّ وفتّ وفضّ وبتّ وبطّ وتبّ وسبّ وبسّ...).‏
-قال ابن جني في الخصائص (1،44) حول أصل اللغات: (وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدويّ الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونزيب الظبي ونحو ذلك، ثم ولّدت اللغت عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل).‏
-وقال في الخصائص (1،544) حول (إمساس الألفاظ أشباه المعاني): (اعلم أن هذا موضع شريف لطيف. وقد نبه عليه الخليل وسيبويه، وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته. قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومداً فقالوا: صرّ، وتوهموا في صوت البازي تقطيعاً فقالوا: صرصر. وقال سيبويه في المصادر التي جاءت في الفعلان: إنها تأتي للاضطراب والحركة نحو النقّزان والغَليان والغثَيان، فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال).‏
وقال: (ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء كثيرة على سمت ما حذياه ومناج ما مثلاه. وذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضعفة تأتي للتكرير نحو الزعزعة والقلقة والصلصلة والقعقعة والجرجرة والقرقرة. ووجدت أيضاً الفعلى في المصادر والصفات إنما تأتي للسرعة نحو البشكي والجمزي والولقى.. فجعلوا المثال المكرر للمعنى المكرر، أعني باب القلقلة، والمثال الذي توالت حركاته للأفعال التي توالت الحركات فيها).‏
-وقال: (ومن ذلك أنهم جعلوا تكرير العين في المثال دليلاً على تكرير الفعل فقالوا كسّر وقطّع وفتّح وغلّق. وذلك أنهم جعلوا الألفاظ دليلة المعاني، فأقوى اللفظ ينبغي أن يقابل به قوة الفعل. والعين أقوى من الفاء واللام، وذلك لأنها واسطة لهما ومكنونة بهما، فصارا كأنهما سياج لها ومبذولان للعوارض دونها).‏
وقال: (فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فبات عظيم واسع، ونهج متلئب 1عند عارفيه مأموم. ذلك أنهم كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها، فيعد لونها بها ويحتذونها عليها، وذلك أكثر مما نقدره وأضعاف ما نستشعره.. من ذلك قولهم خضم وقضم. فالخضم الأكل للرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب. والقضم للصلب اليابس نحو قضمت الدابة شعيرها ونحو ذلك.. فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب، والقاف لصعوبتها لليابس، حذوأ لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث..).‏
-وقال أيضاً: (من ذلك القد طولا، والقط عرضاً. ذلك أن الطاء أخفض للصوت وأسرع قطعاً له من الدال. فجعلوا الطاء للمناجزة لقطع العرض لقربه وسرعته، والدال المماطلة لما طال من الأثر، وهو قطعة طولا..).‏
-إلى أن قال.: (فهذا ونحوه أمر إذا أنت أتيته من بابه وأصلحت فكرك لتناوله وتأمله أعطاك مقادته وأركبك ذروته وجلا عليك بهجاته ومحاسنه. وإن أنت تناكرته وقلت هذا أمر منتشر ومذهب صعب موعر، حرمت نفسك لذاته وسددت عليها باب الحظوة به).‏
وقد أشار عباد بن سليمان الصيمري إلى قيام المناسبة الطبيعية بين اللفظ ومعناه. قال صاحب المزهر (1،31): (نقل أهل أصول الفقه عن عباد بن سليمان من المعتزلة أن بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية حاملة للواضع على أن يضع، وإلا لكان تخصيص الاسم المعين للمسمى المعين ترجيحاً من غير مرجح).‏
وعقب السيوطي على مذهب عباد فقال: (وأما أهل اللغة والعربية فقد كادوا يطبقون على ثبوت المناسبة بين الألفاظ والمعاني، لكن الفرق بين مذهبهم ومذهب عباد أن عباداً يراها ذاتية موجبة بخلافهم). وكأن عباداً يرى ما قد رآه أفلاطون من أن لكل لفظ معنى بطبيعته. فدلالة اللفظ دلالة ذاتية.‏
قال عباد (ولولا الدلالة الذاتية لكان وضع لفظ من الألفاظ بإزاء معنى من المعاني ترجيحاً بلا مرجح، وهو محال –1،11). وقد أجيب عن ذلك بأن اللفظ لو دل بالذات لفهم كل واحد كل اللغات لعدم اختلاف الدلالات الذاتية...‏
وهكذا جفا كثير من العلماء عن اعتقاد هذه المناسبة فردّوا على من استن بها بأنه لو صحت المناسبة بين اللفظ والمعنى في اللغات عامة واقتضت بنية اللفظ معنى بعينه لاتحدت معاني الألفاظ الواحدة في لغات شتى أو تقاربت. وبنوا على ذلك فقالوا إنّه لا صلة ثمة بين اللفظ ومعناه، وإنما اللفظ رمز واصطلاح. ومن ثم رأى أصحاب المذاهب البنيوي Structuralisme 2 أنه ليس ثمة علاقة بين معنى الكلمة وصورتها الصوتية. واعتلوا لذلك بتعدد اللغات في الأصل. فإن معنى بعينه إنما يعبر عنه بألفاظ ذات صور صوتية متباينة. ولا يصدق هذا في تعاقب كلمات مختلفة على معنى في لغات متعددة وحسب، بل في اتفاق كلمات متغايرة على معنى في لغة واحدة أيضاً3.‏
أقول إن المناسبة بين اللفظ ومعناه إنما تتجلى خاصة في مرحلة من مراحل نشوء اللغة. فالمرحلة الصوتية مرحلة طبيعية لا بد لأي لغة أن تجوزها. وهي أظهر ما تكون في اللغات غير المرتقية أو في الدرجات الدنيا من المرتقية. وقد تتقارب آثار هذه المرحلة في اللغات أو تتباعد. ولكن لا بد أن تتفق في كل لغة ألفاظ هي أصداء لمعانيها على كل حال. ويعزى في الأصل تباعد هذه المقاطع في لغة عنها في لغة أخرى ولو حكت صوتاً بعينه إلى أن محاكاة الأصوات كما مر بنا لا تكون آلية. ذلك أن قدرة كل جماعة بشرية على صوغ مقاطع لغتها الخاصة بها إنما تتأثر بجارحة سمعها وجهاز نطقها. فهي تتوهم المسموع على نمط حين تتلقاه، وتحاكيه في تصرف حين تؤديه وتعبر عنه. فلا بد لكل جماعة من نظام صوتي ذي سمات خاصة للتلقي والأداء جميعاً. ومن ثم قال الشدياق (ومنهم من توهم صوت القطع يحكي ترّ وطرّ، فتوهمه أولئك، أي الإنكليز، لصوت القطع فقالوا tear، وتوهمه الفرنسيس لصوت الجذب). وليس الشدياق أول من أشار إلى ذلك في العربية بقوله (توهم). فقد حكى ابن جني عن الخليل أنه قال: (كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدّاً فقالوا صرّ، وتوهموا في صوت البازي تقطيعاً فقالوا صرْصر..).‏
ولا يخفى أن لجارحة السمع في علم اللغة الحديث جانباً عضوياً وآخر نفسياً، وأن جهاز النطق يقضي بتعدد صور النطق بين أصحاب اللغة الواحدة، وتمايزها بين أصحاب لغة وأخرى، فتتباين الأصوات وتتغاير حروف الهجاء بين لغة وأخرى. بل يختلف النطق بها ولو اتحدت بين لغتين أو أكثر، كما يختلف بين لهجة وأخرى في لغة واحدة. ولا يخفى أن حروف الهجاء بأصواتها هي وحدات اللغات الحقيقة، وأصواتها في العربية هي الحركات نفسها.‏
فقد ذكر الرئيس ابن سينا في رسالته (أسباب حدوث الحروف ،14، أربع صور للنطق بالجيم ليست في لغة العرب. فمنها الصورة التي ينطق بها الحرف عند الفرس في مثل قولهم (جارة) بمعنى البئر. وهي الجيم التي يحدثها أطباق من حروف اللسان، أي أطرافه، أكثر وأشد، وضغط عند القلع أقوى. وهناك ثلاث صور للنطق بالجيم ليست في لغة العرب ولا الفرس، وهي الجيم التي تضرب إلى شبه الزاي، وشبه السين، وشبه الصاد.‏
وفي كتاب الفلسفة اللغوية لجرجي زيدان أن من القبائل الإفريقية من لا أثر في لغته للمقاطع الشفوية، وأنه يستحيل على بعض هنود كولومبيا أن يتلفظوا بمثلها. وأنه ليس في لغة معظم أهالي أوستراليا مقاطع صفيرية، وأن اللغة المصرية القديمة قد خلت من مقاطع الباء والجيم والدال والزاي.‏
وتعترض الألفاظ صنوف من التغيير في ارتقائها وتدرجها وانتقالها من الطور الصوتي إلى اللفظي خاصة. وكلما ارتقت اللغة كان التغيير أوسع وأشمل. قال الشيخ عبد الله العلايلي في كتابه: مقدمة لدرس لغة العرب: (ذلك أن اللغات المرتقية في وضعها الحالي أصبحت على بعد يقرب من الخلاف بالنسبة إلى أوليتها اللغوية). وليس شيء بعد أفعل في تغيير هيئة اللفظ العربي من الاتباع حتى أضحى طابعاً لغوياً ظهر أثره في الأصول والزوائد والكلمات والأدوات والاشتقاق، والأتباع اتباع والبدل والقلب والحركة والإعراب والادغام والمزاوجة..‏
فإذا ثبت وقوع الاختلاف في حداثة نشوء اللغات واستمر واتسع بعد ذلك بارتقائها، فليس يصح أن نقول أن لغات العالم قد تشعبت عن مصدر واحد، على صحة نشوئها بمحاكاة أصوات الطبيعة. ولا جرم أن اللغات قد خضعت لشروط مكانية واجتماعية وذاتية، وانقادت لخبرات إنسانية تتغاير بتغاير الأقوام، ومضت في مساير مختلفة..‏
وهكذا لا يمنع تعاقب المعاني المختلفة على لفظ واحد، في لغة أو لغات شتى، أو تراوح الألفاظ المختلفة على معنى، في لغة أو لغات متعددة، من انقياد اللغات للصورة الصوتية في مرحلة من مراحل نشوئها، واستبقائها جذور هذه المرحلة سمات بينة وإمارات جلية. فليست اللغة اصطلاحية وحسب، وليست هي طبيعية وحسب، وإنما هي طبيعية اصطلاحية معاً.‏
هذا والخلاف بين العلماء قديم في هذا. فقد ذهب أفلاطون مثلا إلى أن اللغة ظاهرة طبيعية وأن لألفاظها معاني لازمة لها متصلة بطبيعتها. فالكلمة تجلو بلفظها المعبر أو طبيعة اشتقاقها الواقع الذي تعبر عنه. وذهب أرسطو إلى خلاف ذلك حين رأى اللغة ظاهرة اجتماعية وأن لألفاظها معاني اصطلاحية ناجمة عن اتفاق أو تراض. وهذا ما أخذ به اللغوي الفرنسي كوندياك في القرن الثامن عشر واشتهر به اللغوي السويسري الكبير (سوسور) في القرن العشرين، يقول كوندياك (إن الإشارات اللغوية اصطلاحية واللفظة انتقيناها نحن البشر، ولا علاقة لها بأفكارنا إلا على نحو اعتباطي)، ويقول (إن اللغة هي أوضح مثال للعلاقات التي نكونها بصورة إرادية)4.‏
ويقول (سوسور) رائد البحث اللغوي الحديث في النصف الأول من قرننا هذا: (إن العلاقة بين الرموز والمعاني، على الرغم من أنها عشوائية، فهي اصطلاحية اتفاقية ثابتة بالنسبة إلى اللغة الواحدة والمجتمع الواحد)5.‏
ولم يفت أئمة اللغة في العربية أن يتأملوا هذا الموضع ويعملوا فيه النظر، لكنهم انتحوا في نشوء اللغة نحواً آخر. فمنهم من استمسك بظاهر النص في قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها – 2،31) فقال بالمذهب (التوقيفي) ومن أعلام هذا المذهب (ابن فارس)، وقد أخذ به الأشاعرة. ومنهم من عمد إلى التأويل فلم ير في النص ما يوجب الأخذ بالمذهب (التوقيفي) كابن جني، إذ قال في كتابه الخصائص (1،39): (إن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح، لا وحي وتوقيف)، وقال (ذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله: أقدر آدم على أن واضع عليها)، وأردف (فإذا كان ذلك محتملاً غير مستنكر سقط الاستدلال به).‏
وإذا كان ابن جني قد أجاز الأخذ بمذهب الاصطلاح والمواضعة، فإنه لم يمنع من اعتقاد (التوقيف) فقال: (إني تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة فوجدت فيها من الحكمة والدقة والإرهاف والرقة ما يملك علي جانب الفكر حتى يكاد يطمح به أمام غلوة السحر، فمن ذلك ما نبه عليه أصحابنا رحمهم الله، ومنه ما حذوته على أمثلتهم فعرفت بتتعابعه وانقياده وبعد مراميه وآماده، صحة ما وفقوا لتقديمه منه، ولطف ما أسعدوا به، وفرق لهم عنه. وإنضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة، بأنها من عند الله جل وعز، فقوي في نفسي اعتقاد كونها توقيفاً من الله سبحانه وأنها وحي). وقد عاد لم يستبدع أن يكون الله تعالى قد خلق من قبلنا، وأن بعد مداه عنا من كان ألطف أذهاناً وأسرع خواطر وأجر أجناناً) فتولوا ذلك بأنفسهم. وقد أنهى كلامه في هذا فقال (وإن خطر خاطر فيما بعد يعلق الكف بإحدى الجهتين ويكفها عن صاحبتها قلنا به، وبالله التوفيق).‏
وطبيعي أن يأخذ أعلام المعتزلة بالمذهب الاصطلاحي. وقد تبعهم فيه كثيرون كابن سنان الخفاجي فقد جاء في كتابه (سر الفصاحة): (والصحيح أن أصل اللغات مواضعة وليس بتوقيف).‏
وجاء فيه (وقد حمل أهل العلم قوله تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها، على مواضعة تقدمت بين آدم عليه السلام وبين الملائكة على لغة سالفة).‏
وذهب الغزالي في (المنخول) كما جاء في المزهر (1،15) إلى احتمال صحة المذهبين (التوقيف والاصطلاح) فقال: (وقوله تعالى وعلّم آدم الأسماء كلها، ظاهر في كونه توقيفياً، وليس بقاطع ويحتمل كونها مصطلحاً عليها من خلق الله تعالى قبل آدم).‏
ولسنا في سبيل أن نمضي في عرض الخلاف في أن اللغة نشأت بوحي وتوقيف أو قدرة فطرية في النطق أو مواضعة واتفاق إلا بمقدار ما يتصل البحث بمذهب علمي وضعي. ذلك أن علم الكلام أجدر بمثل هذا الخلاف وألصق به من حيث جوهره وموضوعه.‏
ومهما يكن من شيء فإن مذهب الاصطلاح الذي جنح إليه ابن جني لم ينح نحو مذهب (كوندياك) فيرى العلاقة بين اللفظ ومعناه علاقة (اعتباطية) ولا نحو مذهب (سوسور) حين تصور العلاقة بينهما (عشوائية). إذ نبه على ما بين اللفظ ومعناه في كثير من كلم العربية من مجانسة ومن مناسبة طبيعية تجعل اللفظ دليلا على المعنى. لكنه لم يحتسب علاقة ما بين اللفظ والمعنى مفروضة بحيث يقتضي معنى ما لفظاً بعينه كما انتحاه الصيمري، أو تستلزم صورة اللفظ صورة المعنى بالطبيعة والضرورة كما ذهب إليه الأرسوزي. فكلمة (نب) مثلاً المؤلفة من حرفي (نون) و(باء). وبجملتها تفيد الانتقال من الداخل إلى الخارج فالظهور والتعالي. وعند التحليل تُظهر كافة الكلمات المنتسبة إلى أسرة هذا الحدس اتجاهاته الأساسية. فـ (نب) الماء تسيّل، ونبض الماء: سال أو غار، ونبع الينبوع ونبط الماء: نبع ونبغ.. على حد قول الأرسوزي.‏
حذا الأرسوزي في كتبه (العبقرية العربية في لسانها) و(رسالة في اللغة) و(اللسان العربي) حذو من تقدمه فذكر أن نشوء العربية قد تم بادئ بدء بمحاكاة الأصوات الطبيعية، وهو مذهب سائر مأموم بُسط القول فيه وأضاف (إنّ الكلمات العربية لا تزال ذات جذور في الأصوات الطبيعية). وقد فصل الكلام عن هذا أيضاً. والذي أراده الأرسوزي أن العربية قد ابتنت جذورها الصوتية بمحاكاة هذه الأصوات، ثم اعتمدت هذه الجذور فأثبتتها في بناها مقاطع وألفاظاً جانست ما دلت عليه من المعاني. ثم تكامل بنيان اللغة باشتقاق الكلم بعضها من بعض فتفرع على كل أصل مفردات اشتركت في حمل معناه والانطواء على جذوره، ولو غايرت صيغها صيغته. ومن ثم تميزت العربية باستثبات كلماتها هذه الجذور وتفردت بتوالد ألفاظها توالداً وفر على الفرع ملامح الأصل فبدا بها الثبوت والخلود فيما لا يوجب سنن الارتقاء تبديله وتغيره. وليس ذلك بدعاً مما قاله الأئمة في الاشتقاق، وأفصحوا عن مضمونه. فإذا تغيرت معالم الكلم الفرنسية مثلاً بتقادم العهود وخفيت معانيها بانسلاخ القرون فجهل أبناؤها أدب الأجداد ما لم يكونوا قد توفروا على تراثهم واستنبطوا أصوله لاتينية ويونانية وأوسعوها علماً وخبراً، فإن ألفاظ العربية مهما تقلبت صورها وتدرجت دلالاتها واختلفت باختلاف مراحل ارتقائها وشروط تكاملها فإن معالمها باقية مستمرة توحي بأرومة أصلها وتنبئ بطريق اشتقاقها، فيسهل على الأبناء تبين أدب الأجداد، على بُعد الشقة وانطواء المراحل. وتخفى في ألفاظ اللغات اللاتينية ملامحها لتعدد أصولها المشتركة واختلاف هذه الأصول في تصاريفها بافتقاد كثير من أحرف الجذر أو زوالها، بل تلون أصواتها فتغيب اللحمة بين مفردات المارد أو تبدو صورتها شائهة باهتة.‏
هذا وإنما يصح ما قلناه ويصدق في الأطوار الأخيرة من مراحل نشوء العربية بعد أن استحكم هيكل بنيتها وأصبح الثلاثي وحده الكلمة، فجرت عليه صنوف من الاشتقاق والتصريف والتقليب دارت حول جامع معنوي، فاغتنت بذلك المادة اللغوية، ثم اكتمل نماؤها بتولد الرباعي من الثلاثي وهكذا، فأضحت ذات فقه خاص واضح واشتقاق ثابت مطرد، وقد عمل الاتباع في تشذيب اللفظ وتهذيبه. أما النحت فلم يكن له أثر يذكر في ذلك جميعاً، وإنما كان له مجال فسيح في لغات الغرب إذ غدا سمتها وطابعها وقانونها المطرد فأثرت به مادتها وتنامت ولو غيّر ملامح صورتها حين ضمنها أصولاً متغايرة متباينة. فأنت تقول في الفرنسية Etymologic تعني العلم الذي يرد الكلم إلى أصولها الحقيقية. فلا تجدها تشتق من أصل واحد اشتقاق الفرع من الجذع كما هو حال اللغة بل اللغات السامية، وإنما تشتق من أصلين يونانيين هما: Logos العلم و Etymos ومعناه الأصل أو الحقيقة. وذكر الدكتور داود حلمي السيد في كتابه (المعجم الإنكليزي ،126) أن مفردات اللغة الإنكليزية قد صنفت في معجم أوكسفورد على أنها كلمات أساسية وثانوية ومجمعة. فالأساسية إما أحادية البنية وهي التي تتألف من مقطع واحد هو جذرها أو مقطع ولواصق. وأما متعددة البنية وهي التي تتألف من مقطع واحد هو جذرها أو مقطع ولواصق. وأما متعددة البنية وهي التي تتألف من أجزاء أو جذور عدة. وأريد بالكلمات الثانوية ما تغير هجاؤه عن الشائع المعروف أو شذت بنيته وندت. أما الكلمات المجمعة فهي الكلمات المؤلفة من تجمع كلمات متعددة احتفظ كل منها بهجائه.‏
هذا ويرى الأرسوزي أن اللفظ في العربية إنما يدل على معناه ويوحي به إيحاء فيرد إلى صورة صوتية مقتبسة من الطبيعة: طبيعة خارجية تتمثل بأصدائها، وأخرى إنسانية تتجلى بمشاعرها.‏
أقول إذ صح أن يدل اللفظ على معناه حتى تراه لا يشف إلا عنه ولا يلهم إلا به فإنه لا يزال على شيء من ظلاله منذ طراءة نشوء العربية، وفي مرحلتها الصوتية، هذه المرحلة التي انطوت على مقاطع كانت أصداء لدلالاتها. أما بعد ارتقاء العربية وانتقالها إلى المرحلة اللفظية واستحكام بنيتها وانتهائها إلى مستقرها في الأصل الثلاثي ثم اغتنائها بالاشتقاق والتصريف والتقليب ثم اتساق ألفاظها بالاتباع، فلا شك أن المجانسة في الكلم بين اللفظ ومعناه لم تبق على سابق عهدها من الوضوح والجلاء. فإذا اتفق لها أن تكون قد استمرت فأيدت سرها حينا، فقد عرض لها مما غشيها من التغيير ما آل بها إلى أن تخبو وتتوارى أحياناً. ولا يخفى أن التغيير لا يقع على اللفظ مادته وصورته وحسب، وإنما يلابس معناه أيضاً. فالمعنى لا يجمد في اللفظ بل يتدرج بالمجاز والنقل حتى تضعف نسبته إلى أرومته في أحوال كثيرة. وقد ينتهي إلى دلالة تنشعب عن الأصل فتشيع وتشتهر وتنسى دلالة الأصل فتهمل وتمات.‏
والأرسوزي لا يرى اللغة إلهاماً كما ذهب إليه بعض السلف حين تصوروا الأسماء دالة على مسمياتها منذ الخليقة، بل يرى في عزوها إلى الإلهام ثنياً للفكر عن ارتياد البحث ومزاولة الكشف عن سر المسألة وجوهرها. ويذكّر هذا بما حكاه المزهر (1،13) عن المعتزلة واعتقادهم أن اللغات لا تدل على مدلولاتها كالدلالة العقلية. ولهذا المعنى يجوز اختلافها. ولو ثبتت توقيفاً من جهة الله تعالى لكان ينبغي أن يخلق الله العلم بالصيغة ثم يخلق العلم بالمدلول ثم يخلق لنا العلم بجعل الصيغة دليلاً على ذلك المدلول. ولو خلق لنا العلم بصفاته لجاز أن يخلق لنا العلم بذاته. ولو خلق لنا العلم بذاته بطل التكليف وبطلت المحنة.‏
على أن الأرسوزي لا يرى اللغة اتفاقاً أو تواطؤ ما احتاج التواطؤ إلى عقل وافتقر إلى تدبر، بل يأبى المواضعة ولو جرت بالفطرة وكانت الحاجة إليها في التعبير والتخاطب كالحاجة إلى التنفس كما يقول ابن سنان.‏
تصور الأرسوزي العرب يحاكون أصوات الطبيعة فيتخذونها أصلاً لمقاطع لغتهم، ثم يطبعون على غرارها في تصرف، ويضربون على قالبها في أداء كلمات تعبر عن إنسانيتهم. وهكذا يخلص أداؤهم – بمساومة- بين صيغ مسموعة تلقوها وأخرى فطرية ابتنوها. والوجدان القومي قد اهتدى بـ (الحدس) إلى اختيار الصيغة الحية للأداء (الصيغة الحية التي يعبر بها عن معنى وجوده وتطلعات أبنائه إلى الحياة الحرة المبدعة). ومن ثم انطوت العربية على مضمون إنساني كان حصيلة التجربة الخلقية والإبداع الفني في وجود الأمة. فاللسان منظومة صوتية تعبر عن وجهة الأمة التي أنشأته ودلت عليه ولعل أهم ما تميز به مذهب الأرسوزي:‏
1-أنه ينحو نحو المتصوفة والمثالية فيعول في الاهتداء إلى صيغة الأداء على (الحدس)، والحدس أول مراتب الكشف ويقابله الفكر. فصورة الكلمة تدل على صورة المعنى بمنهاج. وقد ذهب أفلاطون إلى نحو من هذا حين قدّر أن للألفاظ معاني لازمة لها متصلة بطبيعتها. فالكلمة تجلو بلفظها المعبر أو طبيعة اشتقاقها الواقع الذي تعبر عنه.‏
ولكن ما لنا وللمتصوفة، أفليس في علم اللغة الحديث موضع لمثل هذا الحدس ومنزلة يعول بها عليه؟ أقول يحسن النظر إلى الحدس من وجهين: أولهما أنه يعتد طريقة من طرق الاستدلال في البحث اللغوي. فإذا كان علماء الطبيعة قد أغفلوا هذا وأنكروه في مباحثهم فإن علماء اللغة المحدثين لم ينحوا أو يقتاسوا بنهجهم. بل رأوا أن اللغة متفردة بخصائصها متميزة بطرائقها عن أي (ظاهرة طبيعية) أخرى، بحيث ينبغي للنهج العلمي أن يعدل ببحثها إلى ما يلائم طبيعتها ويجانس سمتها، على أنه لا بد إلى ذلك من اعتماد الوسائل المعتادة كالاستقراء والاستنباط.‏
والثاني: أن يقصد بالحدس اللغوي ما أشار إليه العالم الأمريكي (نوام تشومسكي) من امتلاك الإنسان من البصيرة أو القدرة الفطرية ما يتيح له أن يتلقى اللغة ويضرب على قوالب ما يسمع منها ويكشف بحدسه عن أصولها وقواعدها، ويلتزم في صوغ الكلم ضوابطها ونظمها، وفي ابتكار الجمل ما يُحكم به أداءه ويحسن تعبيره. فالحدس على حد تعبير الأرسوزي ونسق أدائه هو الذي يحدد انتباه الفرد ويوجه اختياره. فإذا تقدمت الصورة الحسية هذا الحدس حصل من تجاوبهما ما تتفتح به الصورة فتتحول إلى مشتقات صوتية، هي الكلمات المنطوية على الخيال المرئي. وهكذا يحقق- الفنان- بنات نفسه، أي ما يبدعه من الصور الفنية، بالمساومة بين طبيعة إحساسه وحقيقة حدسه.‏
والذي عندي أنه إذا صح ابتناء مقاطع الكلم في حداثة نشوء اللغة بمحاكاة الطبيعة اعتماداً على الحدس والتدرج بهذه المقاطع في المرحلة الصوتية، فليس يصح أن يستمر ذلك ويطرد بعد نضج الإنسان وتحضره ما لم يُضمّ إلى هذا الحدس في ابتناء اللغة تدبر وتواطؤ بفعل حاجة الإنسان عند رقيه إلى التعبير عن مقتضيات أحواله، وجنوحه إلى تجديد أدائه وتنقيحه حتى تأخذ لغته سبيل الاستقرار دون اتكال منه على مصادفة للطبيعة أو ملابسة للظرف. وليس يمنع هذا أن يتم الأمر عفو الطبيعة، بل ليس يشترط أن يبدأ الاهتداء إلى وضع من الارتقاء اللغوي بمواضعة الجماعة فقد يصدر ذلك عن فرد متميز ثم يشيع عند الجماعة بإقراره فيصبح متعالماً. فقد أشار المختصون في حفائر (رأس شمرا) مثلاً أن صاحب لوح من الألواح المكشوفة، وهو كاتب فنيقي، قد اصطنع حروفاً أثبتها على لوحة فكانت مرحلة بين المسمارية والفنيقية الراقية، واعتدت محاولة للاهتداء إلى هذه الحروف، كما أشار إليه الشيخ العلايلي. ولم يشترط الأمام الرضي في اهتداء الفرد إلى وضع لغوي يُعتد به إلا أن يقصد مشايعة الجماعة له وتواطؤهم على ما انتهى إليه. فقد جاء في شرح الكافية (1،3): (المقصود من قولهم وضع اللفظ جعله أولاً لمعنى مع قصد أن يصير متواطأ عليه بين قوم. ويقال لكل لفظة بدرت من شخص لمعنى أنها موضوعة له دون قصد التواطؤ بها).‏
2-أنه يأبى المترادف والمشترك فما دامت صورة لفظ بنفسه تقتضي صورة معنى بعينه، كما استوجب معنى معين عند الصيمري لفظاً بنفسه بالضرورة فقد لزم من ذلك بطلان المترادف والمشترك وانتفاء اللهجات جميعاً، وفي ذلك نظر. فإذا كان الترادف هو دلالة اللفظ على معنى دل عليه لفظ آخر فأكثر، وأخرجنا منه ما اتفقت دلالاته في معان مجازية أو كنائية، وما اختلفت القبائل في صورة النطق به (في مد أو إمالة أو تخفيف همزة..) أو اختلفت في بعض حروفه كالصراط والسراط والزراط والصقر والسقر، وقد تعلل مراحل مقدرة قبل استوائها على حالها الراقية، كما شهدت الأسواق الموسمية الأرجاء. أقول إذا استثنينا إلى ذلك ما أسموه الأتباع بالإبدال والقلب، وما تقاربت معانيه أصلاً ثم تطابقت في الاستعمال وقد أسموه المتوارد، بل أغفلنا ما اتحدت معانيه من الألفاظ فكان بعضه اسماً وبعضه وصفاً كالسيف والصارم، وقد أسموه المتكافى. ثم أسقطنا ما دخل العربية مما عُرّب وأصله أعجمي. أقول إذا أخرجنا كل ذلك فقد ثبت ما لا مناص من قبوله واقراره، وهو ما اختلف اسمه في قبيلة عما هو في قبيلة أخرى كما حكاه الجاحظ في البيان والتبيين، بل ما ثبت ترادفه في لغة القبيلة الواحدة، وطبيعة اللغة لا تمنع منه. هذا ويصح أن يتفق الترادف في حداثة نشوء اللغة، ولا بد أن يتجلى ويتزايد بارتقائها. يقول الإمام ابن الجوزي في كتابه (المدهش) (وقد يريدون تكرير الكلمة ويكرهون إعادة اللفظ فيغيرون بعض الحروف وذلك يسمى الاتباع فيقولون أسوان أتوان، وشيء تافه نافه وعفريت نفريت) ويعقب الشيخ العلايلي على ذلك في مقدمته فيقول (فإن تعبيره بقوله يكرهون إعادة اللفظ فيغيرون يفيد أن التغيير جارٍ على أصول ثابتة وليس متروكاً للعفو، بل يعين أنه جارٍ في حروف الإبدال أو المعاقبة أي الحروف التي تتناوب وتفيد عين الفائدة ،220).‏
ويمضي الشيخ في تأصيل الترادف في العربية فيدفع أن يكون علامة قلق، ويقول (والحقيقة فيه- أي في الترادف- أنه عنوان.. بل أصبح الأديب العربي يضيق جداً إذا لم تكن له فسحة من الألفاظ الشتى التي تتلاقى على معنى واحد .. ،227).‏
وهكذا الاشتراك، وهو أن يدل اللفظ على معنيين مختلفين أو أكثر. فإذا صح عند الأئمة أن الاشتراك قد جاء خلافاً للأصل لأن اللغة قد قامت للإبانة والإفصاح لا للتعمية والإبهام، كما يقول ابن درستويه في (أبطال الأضداد)، فإنه من الثابت جريانه في اللغة ولو قل. وقد جاء المشترك في لغة التنزيل فعلا. وحكي عن أبي علي الفارسي قوله (كما جاء في المخصص – 13،259).‏
(اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ينبغي ألا يكونا قصداً في الوضع ولا أصلا..) لكن اللغة تتسع له على كل حال في مراحل نموها المتقدمة. فقد تصور العلايلي في غير مجازفة أن لفظاً بعينه قد يقع فيه الاشتراك إذا رُدّ في نشأته إلى أصلين مختلفين فحمل من كلٍ معنى يغاير الآخر. ومثل لذلك بـ (شح) فإنه يرجع إلى أصلين. فإذا أنت رددته إلى (شيح) كان بمعنى بخل، أو نسبته إلى (شحى) مثلاً قد جاوز دوراً صوتياً تحلل منه. فلا بد إذن أن يعود في نشأته إلى ثلاثي معل تقدمه، وهو الذي يكشف معناه. وسنرى إيضاح مذهبه هذا في موضع آخر.‏
هذا ولا يرى الأرسوزي أن العربية الفصحى هي اللغة السائدة بتغلب لغة قريش على اللهجات الأخرى، كما طغت الفرنسية الباريزية مثلاً على لهجات المقاطعات الفرنسية6. بل ينفي أن تكون للعربية لغات أو يصح لها نسب إلى اللغات السامية الأخرى بحيث تعزى جميعاً إلى فصيلة من اللغات أو لغة بائدة كانت أصلاً أو أماً لسائرها، كما عزيت الفرنسية والإسبانية والإيطالية والبرتغالية إلى اللاتينية. وهكذا يرى العربية فريدة في نشوئها وبنيانها حتى لا يكاد ينظم هذا النشوء والبنيان ضابط مما ينظم سواها من اللغات الأخرى.‏
ويذكّر هذا بما ذهب إليه الدكتور عثمان أمين في رسالته (الجوانية) حين رأى العربية (مثالية أصلية) لأن لغة القرآن تنحو نحواً من المثالية لا نظير له في أي لغة من اللغات المعروفة. وقد فصل القول في هذا في كتابه (فلسفة اللغة العربية).‏
والثابت أن لغة قريش قد سادت ما أسموه باللهجات الشمالية فكانت اللسان المبين الذي نزل به القرآن. بل كان القرآن حين اعتمد لغة قريش سبباً إلى الأخذ بالوضع اللغوي الأرقى فمهدّ السبيل للانتهاء باللغة إلى مستقرها الكامل. وقد اعتد القرآن آية البيان العربي فكان موضع الاقتداء ومحل الائتمام، فجروا على منهاجه واستنوا بسنته واقتاسوا به، أما ما دعوه باللهجات أو اللغات فراجع في الأصل إلى اختلاف القبائل في صورة النطق وطريقة الأداء وتميزها بمناح من التعبير. ويعزى ذلك إلى عوامل النشأة لا إلى اختلاف سبيل الارتقاء اللغوي أو انفراد كل لغة بوضع لغوي تنفعل به على حدة، وقد تليت آي الذكر الحكيم على وجوه تجلت بها هذه اللهجات. وجاء في كتاب مناهل العرفان للشيخ عبد العظيم الزرقاني: أن الوجوه السبعة في المذهب المختار، وهو مذهب الإمام أبي الفضل الرازي هي (اختلاف في الأسماء من أفراد وتثنية وجمع .. واختلاف في تصريف الأفعال.. واختلاف في اللغات أي اللهجات).‏
فصح بذلك أن لا وجه للارتياب في ثبوت المترادف والمشترك والتردد في صحة القطع باللهجات بعد أن تناصرت الأدلة عليه، وأصبح البحث فيه على بينة، والعلم على يقين.‏
3-أنه يرى العربية معجماً لما اختطته لعبقرية قومها من كريم المآثر والشمائل، وما اتخذته لأداء رسالتهم وتحقيق (ذاتهم) من رفيع الغايات وشريف المطالب، أو ما أسموه بالمثل الخلقية والقيم الروحية ودعوه بتطلعات الأمة وطموحها.. وهو ليس بعيداً عما قيل من أن العربية لسان صدق يفصح عن طباع القوم وما تجري به سجاياهم، ويترجم عما سعت إليه آمالهم وسمت إليه رؤاهم. يقول الشيخ العلايلي في مقدمته (إن ما اشتهر من أن اللغة ألفاظ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم جعلها شيئاً دون الغرض.. وهو ملحظ حق وصحيح حينما نتجه بنظرنا إلى اللغة في دورها النشوئي.. أما بعد فمجموعة من الأفكار والتقاليد والعواطف والأحاسيس والنزوات وشتى المشاعر من الاعتبارات التي تنتظمها الألفاظ انتظاماً أصبح منها كما يكون الشيء من الاعتبارات التي تنتظمها الألفاظ انتظاماً أصبح منها كما يكون الشيء من الطبيعة ..،15) بل ذهب وراء ذلك فقال: (ونحن مهما حاولنا أن نغض النظر عن نبل العربية فإنها ناطقة بذلك. ومن ثم كان من الخطأ أن نفسر اللغة بتاريخ العرب، وإنما نكون أكثر قصداً إذا فسرنا تاريخ العرب باللغة 229).‏
وقد توفر علم اللغة الحديث على البحث فيما وعته لغة كل قوم من خطوط تراثه وانطوت عليه من معالم حضارته واستأثرت به في مسطور لوحها من مبادئ خلقه وسمات فكره ورسوم تعامله. وأصبح لا بد في البحث عن دلالة الألفاظ من استشفاف ما توحي به من مقاصد ثوت في روح الأمة، وإذكاء العين على (مفاهيم) قد كمنت في ثقافتها بل اصطفقت في ضميرها وازدحمت في وجدانها فارتقت إلى معايير خلقها، وهي مختلفة اختلاف لغات الأقوام متمايزة تمايز ألسنتهم بل جعل الباحث الفرنسي Jeanine Fribourg في العدد الثاني من مجلة La lenguistique لعام 978 معالجة هذا القصد، موضوع علم خاص أسماه L,Ethnolinguistique.‏
ويقول الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح في مجلة اللسانيات لمعهد العلوم اللسانية في الجزائر (لعام 73،1974): (المفاهيم التي تحدد كياناتها بالألفاظ في لسان ما ليست مطابقة بالضرورة للمفاهيم التي تحددها لغة أخرى. وأفحش غلط ارتكبه أرسطو هو ما صرح به من أن الألفاظ هي وحدها تختلف من لسان إلى آخر. أما المعاني فواحدة عند جميع الناس، وهذا غير صحيح).‏
ويقول الدكتور نايف خرما في كتابه (أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة): (وارتباط المفردات بمجتمع معين بهذا الشكل يجعل تلك المفردات أشياء شديدة الالتصاق بتلك اللغة، تحمل عادات ذلك المجتمع ومشاعره وأنماط سلوكه وأخلاقه ومثله).‏
وإذا كان الأرسوزي قد رأى في العربية ما يدل على رفعة شأن قومها ويوحي بسمو رسالتهم فذلك أنها لسان قوم قال التنزيل في وصفهم (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر –3،110). وإذا كان قد كلف بها فأيقظ لها رأيه وأسهر بها قلبه يتبين قوة فطرة العربي في خصوص نشأة لغته وأصالة اشتقاقها وتلاحم نسجها ويتعرف سموقها اللغوي بما أخذت به من الصقل وبلغته من الدقة في ملابسة ألفاظها لمعانيها عن القول بما يمكن أن تنقاد له في نشوئها وارتقائها وتكاملها مما تأتمر به وتمتثله سواها من اللغات في خضوعها لقوانين (التطور العام).‏
أما قول الدكتور الجنحاني في مجلة تنمية اللغة العربية في العصر الحديث لعام 1978، المجلة التي تصدرها وزارة الشؤون الثقافية التونسية: (أن تيار الفكر القومي قد كان له دور إيجابي في المرحلة التي يمثلها الحصري والأرسوزي ولكن هذه النظرة إلى اللغة التي أفصح عنها الأرسوزي تدل على سيطرة العقلية السلفية..) فإنه لا يرجع إلى كشف أو تبيين ولا يدخل في مجال بحث أو شرعة نقاش ليحظى بمحصول أو يحلى بطائل.‏
***‏
أقول هذا عن نشوء العربية عامة، أما عن مراحل نشوء الكلم فيها فقد لاحظ الأئمة أن حكاية الصوت إنما تظهر غالباً في المضاعف، فجل المضاعف في العربية إنما نشأ عن هذه الحكاية، وهو الذي يشعرك بها. وقد بحث علماء العربية هذا منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي.‏
قال الشدياق في (سر الليال) المطبوع عام 1884: (وها أنا ذا أذكر لك بعض الأسباب التي سولت لي أن أعتبر المضاعف أصلا، وأحدها أني رأيت أن معظم اللغة مأخوذ من حكاية صوت أو حكاية صفة، وأن حكاية الصوت إنما تأتي من المضاعف نحو دب ودف ودق وهز وسف وقر) فقد قرر الشدياق باستقراء كثير من الكلم كما فعل سواه أن اللغة إنما ابتنيت بحكاية الصوت أو حكاية الصفة. وأن هذه الحكاية إنما تأتي بالمضاعف. وقد قصد بحكاية الصفة أن تجانس الحروف التي يتألف منها اللفظ بما تتصف به من اللين والترخيم والشدة والتفخيم، الصورة التي يرتسم بها معناه، أو تشاكل، بما تبدو به من النظم والتأليف، الأحداث التي يعبر عنها. قال الشدياق (كقولهم مثلا منمنم أي مزخرف فهو نحو توهم الفرنسيين لفظة مينيم للشيء القليل الوجيز.. وشيء ململم أي مدور مضموم مجمع.. وقولهم امرأة رجراجة أي يترجرج عليها لحمها). وقد تلتبس حكاية الصفة بحكاية الصوت في ألفاظ كالوسوسة لحديث النفس، والهمس للصوت الخفي.‏
وقد ذهبوا إلى أن الأصل في أواخر الكلم السكون، كما كان الأصل في أوائلها التحرك، فالكلم حين توضع تبني الوقف. قال الشدياق: (ان الفعل في الأصل كالاسم في كونه يوقف عليه بالسكون قبل اتصاله بفاعله، فإذا اتصل بفاعله فُتح. وتقرير ذلك أن الواضع لما وضع قدّ ودق ودف، لم يقصد بها في أول الأمر أن تكون فعلاً ولا اسماً، بل مجرد حكاية لصوت توهمه، بقطع النظر عن أي شيء آخر. فلما وصل بفاعله قال دق الرجل). وكان السكاكي قد قال في المفتاح وهو من أئمة القرن الهجري السابع: (أما المقدمة الأولى فهي أن اعتبار أواخر الكلم ساكنة ما لم يعرف عن السكون مانع أقرب، لخفة السكون بشهادة الحس، وكون الخفة مطلوبة بشهادة العرف..). على أنه لا يشترط أن يترتب هذا في أول حكاية الصوت إنما تقوم غالباً بلفظ المضاعف، والأصل السابق له في أواخر الكلم هو السكون فإن المضاعف متى وقف عليه كان على حرفين، ومن ثم ثبت أن الكلم في أصل بنائها ثنائية ثم زيدت فأصبحت ثلاثية. وقد تبين باستقراء كثير من الكلم أن الأصل الثنائي دال بلفظه على جنس المعنى، وأن الحرف المزيد دال على نوعه.‏
وقد أخذ الشدياق بالأصل الثنائي وذكر أن حكاية الصوت إنما تأتي من المضاعف، وأن المضاعف قد يكرر لزيادة في المعنى فيكون منه المضاعف الرباعي، فقال: (فإذا أرادوا الزيادة في المعنى ضاعفوا الحروف فقالوا دبدب ودفدف ودقدق وهزهز وسفسف وقرقر..). وأقوى ما استدل به الشدياق في تحقيق الأصل الثنائي وتبيينه أمور ثلاثة:‏
أولها أنك لا تكاد تظفر للمضاعف على معنى حتى تقع عليه أو على نحو منه في مزيد له. قال: (فقلما ترى في المضاعف معنى إلا رأيت في مزيده مثله أو ما يقاربه). وقد ذكر من ذلك: صر وصرأ وأل وألب وسل وسلب وكف وكفت وسل وسلت ولب ولبث وخب وخبث ورم ورمج وكد وكدح ومثله كثير. وهكذا يتقارب المعنى في كثير مما جاء ثلاثياً واتفق أوله وثانيه كبذا وبذأ وجسا وجسأ وجفا وجفأ وحدى وحدئ ودحا ودحب ورسا ورسب، فكأن تغير الآخر لم يعدل باللفظ عن أصل معناه.‏
وثانيها : أنك تجد أفعالاً مجهولة الأصل، وأصلها من المضاعف معلوم، وذلك نحو امتخر العظم أي استخرج مخه، فهو لا بد أن يكون من امتخ، إذ لم يجئ المخر بمعنى المخ، وقس عليه تمخى العظم بمعنى تمخخه.‏
وثالثهما: دلالة الثنائي على جنس المعنى، إذ قال (وانظر أيضاً على الرغم وغمت وغمد وغمر وغمس وغمص وغمض وغمط، وغمق وغمل وغمن وغمى، فإنها كلها تدل على الستر والتغطية مع اختلاف المعاني، ونحو فل وفلج وفلخ وفلذ وفلع وفلغ وفلق وفلى، وجميعها تدل على القطع) وأردف (وبذلك تعلم أن النسق لم يجر على ألسنة العرب عفواً وأن تبويب الكلام في كتب اللغة على أواخر حروفه مفرق لمعاني الألفاظ ومشتت لمبانيها).‏
وقال الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي في حواشيه على خطبة الكافي (وعلى ما ذكر من أن اللغات نشأت من الأصوات، وأن حكاية الأصوات تظهر في المضاعف أكثر مما تظهر في غيره، وأن الأصل في أواخر الكلم السكون، يقوي القول بأن الكلمات كانت في أول الأمر ثنائية وان أول ما وضع في الكلم هو المضاعف ثم تلاه غيره) ولم يذكر الشيخ (الثنائية) أصلاً في العربية وحدها، بل حكى بحثها واحتسابها في اللغات السامية، إذ قال: (على أن كثيراً من الباحثين عن أصول اللغات السامية في هذا العصر قد أفضى بهم البحث إلى أن الكلم في اللغات السامية كانت ثنائية في أول الأمر).‏
على أن الشدياق وقد أخذ على المعاجم القديمة ما أخذ بعد أن فلاها وتدبرها وقلب فيها النظر، وألف في نقد القاموس المحيط كتابه (الجاسوس على القاموس) قد كان يبغي أن يوطئ لتأليف معجم يحقق فيه سهولة في الترتيب ووضوحاً في التعريف. وفي رأسه خطة قد جزمها وعقد النية على إمضائها. فهو يؤثر ترتيب المواد في المعجم ترتيبها في الأساس للزمخشري والمصباح للفيومي بمراعاة أوائل الألفاظ دون أواخرها، فيقول في الجاسوس (فهذا النسق، أعني ترتيب الكلام من دون مراعاة أواخره هو الذي يظهر حكمة وضع الواضع. وقد لحظ ذلك أمام العربية الزمخشري).‏
وهو يحرص على موالاة ذكر الأفعال الثلاثية فالرباعية فالخماسية فالسداسية فلا يخلط بينها كما فعل الأوائل من الأئمة. وهو يصر على البدء بالمضاعف ما دام أصلاً في ابتناء الكلم بمحاكاة الصوت، ويجعل الأجوف الواوي فاليائي رديفاً للمضاعف، ويأتي بالمهموز عقباً للأجوف. وهو يحرص على ذكر المعنى الأول والأصل ثم الذي ينجم عنه.‏
هذا وقد عمد الشدياق في (سر الليال) إلى نحو مائة من المضاعف وما تفرع على كل مضاعف من الثلاثي فالرباعي.. فكشف عن المعنى الأول وفصل فيما تشعب عنه من المعاني.. ثم أتى بمقلوب المضاعف وجرى على ما جرى عليه في المضاعف، فما الذي أسفر عنه استقراؤه وآل إليه؟؟ استبان برصد هذه الأفعال المضاعفة أن جلها يدل على حكاية صوت، وقد يشف عن ذلك بملاحظة مضاعفها الرباعي.. وأن بينها وبين ما تفرع عليها من الثلاثي والرباعي في الغالب، اتصالاً في المعنى، كما وضح أن بين المضاعف ومقلوبة انقطاعاً في الدلالة غالباً، واشتراكاً حيناً.. وندر أن يكون المقلوب في عكس معنى الأصل.‏
وممن أخذ بالثنائية الشيخ إبراهيم اليازجي فذكر في مجلة الطبيب (1884م) أن الثنائي المضاعف كان على حرفين متحرك فساكن، وأنه كان الأصل الذي بني عليه الثلاثي.‏
وذهب الأستاذ جرجي زيدان في كتابه (الفلسفة اللغوية) هذا المذهب فرد الثلاثي إلى ثنائي زيد حرفاً في الصدر أو الحشو أو الآخر.‏
وكذلك فعل الأب أنستاس ماري الكرملي، وقد جهد جهده في المنافحة عن مذهبه صادق العزم ثابت العقد فقال في كتابه (نشوء اللغة ،27): _إن الكلم وضعت في أول أمرها على هجاء واحد متحرك فساكن، محاكاة الأصوات الطبيعة ثم فُئمت، أي زيد فيها حرف أو أكثر في الصدر أو القلب أو الطرف، فتصرف بها المتكلمون تصرفاً يختلف باختلاف البلاد والقبائل والبيئات والأهوية).‏
وقام الأب (أ.س مرمرجي الدومنيكي) بـ (محاولة معجمية) رد فيها وعدد معانيه في العربية والسامية، فرأى أنها تدور حول (الارتفاع) فقدر أن أصله (أم) الثنائي، وهو بمعنى الرئاسة والعلو، وأمُّ الرأس قمته، فزيدت فيه الراء، وفي (الأمر) ومشتقاته الارتفاع والتسلط. وجاء بـ (علم) بكسر اللام فرأى أن أصله (لم) والعين فيه هي المزيدة. فأكد أن معنى (لم) في العربية وبعض السامية هو الجمع والإحاطة أو المعرفة كما يبدو في (ألمَ) وأن معنى (عَلِم) متعلق بهذه الدلالة.‏
وقد أشار فوق ذلك إلى أن الثنائي المضاعف كـ (مصّ وحمّ ومسّ)، قد جاء في السريانية بحرفين محرك فساكن نحو (مصْ وحمْ ومسْ) وقس عليه.‏
ولا يخفى أن الآرامية تسكن فيها أواخر الأفعال كما ذكره الدكتور الحلبي الموصلي في كتابه (الآثار الآرامية في لغة الموصل العامية) إذ قال (تسكّن العامة أواخر الفعل فتقول: أكلْ وكتبْ ويكتب خلافاً للعربية وتبعا للآرامية ).‏
وممن قال بالثنائية الشيخ عبد الله العلايلي في كتابه (مقدمة لدرس لغة العرب) خاصة. ولعله من أكثر العلماء توفراً على البحث في نشوء العربية، وأدقهم رصداً لمنازل ارتقائها في حداثتها ونضجها واكتمالها، وأشد حرصاً على كشف خصوصها بمعارضة سماتها بملامح سواها من اللغات المرتقية وغير المرتقية، وأمضاهم في الاقتياس بخط من النظر نشوئي ونحو من الدراسة علمي لا غيبي ولا صوفي. وقد عرضنا لطرف من آرائه فيما تقدّم من البحث وسنمر بما اتصل بما وطّنا النفس على استيفائه في هذا المقال.‏
ثم جاء الأرسوزي فتصور انتقال الكلم من المضاعف الذي يمثل حكاية الصوت وصورة الحدث إلى الثلاثي فقال: (فمن – تر- وشكلها الرباعي- ترتر- وهي الصورة المقتبسة من سقوط الماء متقطعاً، حصل الفعلان الثلاثي والرباعي البدائيان، أما بتشديد الحرف الثاني وأما بتكرار المقطع، وهما عبارتا الفعالية. ومن هذا الفعل الثلاثي اشتق الذهن العربي الأفعال التالية، من لفظة ترّ اشتق تره وترك وترع وترس، بتبديل الشدة بحرف ملائم للتعبير عن ذلك المعنى المتفرع). أي أبدل الذهن العرب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alsiddiqlaw.yoo7.com
 
مذاهب وآراء حول نشوء اللغات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الصديق للمحاماة والإستشارات القانونية :: الأقسام العامة الأخرى :: قسم المواضيع العامة-
انتقل الى: